بسيطرة الديمقراطيين على الأغلبية في مجلس النواب الأميركي، أصبح لديهم القدرة على عرقلة الأجندة التشريعية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب. لكن، ما حدود تأثير المجلس المصطبغ باللون الديمقراطي الأزرق على السياسة في واشنطن بالمرحلة المقبلة؟
وكسر الديمقراطيون لأول مرة منذ 8 سنوات سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، بحصولهم حتى الآن على 221 مقعدا، مع توقعات بالحصول على 229 مقعدا لدى إعلان النتائج النهائية. وكان الحزب الديمقراطي يستحوذ على 195 مقعدا فقط في الدورة السابقة.
وفي المقابل، عزز الجمهوريون من قبضتهم على مجلس الشيوخ، بحصولهم على 51 مقعدا، مقابل 44 مقعدا للديمقراطيين إلى الآن، بينما لا تزال هناك 5 مقاعد غير محسومة بعد.
وعندما كان الجمهوريون يتمتعون بسيطرة مطلقة على الكونغرس في النصف الأول من ولاية ترامب، كان الرئيس الأميركي يشتكي من العراقيل التي يضعها الديمقراطيون أمام سياساته والتشريعات التي يقترحها، أما الآن، فيبدو أن العراقيل ستصبح واقعا.
وتتعلق العراقيل هنا بتشريعات يريد ترامب تمريرها في مجالات الهجرة والرعاية الطبية، وحزمة جديدة من التخفيضات الضريبية وإصلاح قانون المواطنة، ومواصلة خططه لبناء جدار حدودي مع المكسيك.
وتعني سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، أنهم سيديرون جميع لجان المجلس، من لجنة الرقابة الداخلية والإصلاح الحكومي، إلى لجنة الطرق والمواصلات، كما سيسيطر الديمقراطيون على جدول الأعمال والتحقيقيات.
كذلك سيكون لدى الديمقراطيين دفعة مؤسسية لمواصلة التحقيقات، وحماية عمل المحققق روبرت مولر، فيما عرف بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، والتضارب المحتمل في المصالح، الذي قد يكون فريق ترامب الانتخابي قد تورط فيه.
لكن مع ذلك، يستبعد المراقبون لجوء الديمقراطيين إلى ما تم ترويجه مؤخرا، بإجراءات تهدف إلى عزل الرئيس الأميركي، حيث لم تثر القضية في الحملات الانتخابية بشكل حقيقي، بينما ركز الديمقراطيون على القضايا التي تهم الطبقة الوسطى، وسيتعين عليهم الوصول إلى إنجازات في هذه المجالات، كأولوية حتى يعززوا من موقعهم في انتخابات 2020.
وعلى صعيد الميزانية الفيدرالية، فإن وجود كونغرس منقسم، سيحتم على الحزبين التوصل إلى تسوية في هذا الشأن، بعدما أصبح للديمقراطيين قدرة تعطيل تمرير الميزانية في مجلس النواب.
لكن هل يعني ذلك هيمنة ديمقراطية على القرار التشريعي؟
في الواقع لا، فمجلس الشيوخ الأميركي، الخاضع للسيطرة الجمهورية، هو الغرفة العليا للكونغرس، والمنوط به التمرير النهائي للقوانين، ولديه صلاحيات أعلى من مجلس النواب.
ومن بين هذه الصلاحيات، تثبيت التعيينات الرئاسية للمحكمة العليا، وللمحاكم الفدرالية الأدنى، وللمناصب الرئيسية داخل الفرع التنفيذي، كما يقوم بالموافقة على، أو برفض، المعاهدات الدولية.
وفي حال توجيه اتهام لعزل الرئيس، أو عضو من أعضاء المحكمة العليا أمام القضاء، يجري الكونغرس المحاكمة فيلتئم بمثابة هيئة محلفين لهذا الغرض، مما يعني أن أي إجراء يدفع به الديمقراطيون في هذا الصدد سيجد عقبة كبيرة في مجلس الشيوخ.
وإضافة إلى ذلك، فإن للرئيس الأميركي صلاحية إصدار الأوامر التنفيذية، والتي تتخطى رفض الكونغرس الأميركي لبعض القوانين.
وقد أشار ترامب، الذي لجأ إلى الأوامر التنفيذية فيما يتعلق بتشديد الهجرة، إلى احتمالية العودة مجددا إلى الأوامر التنفيذية في حال لم يتم التوصل في الكونغرس إلى تسوية بين الحزبين، بشأن قوانين تتعلق بتحرير الصناعة وتفكيك برامج عهد أوباما، وعلى رأسها برنامح الرعاية الصحية، إضافة إلى الاقتراح الأحدث والمثير للجدل، المتعلق بوقف منح الجنسية للمولودين من أجانب على الأراضي الأميركية.
ويستطيع الرئيس الأميركي استثمار سيطرة الديمقراطيين على نصف القرار التشريعي، لاتهامهم أمام الناخبين الأميركيين بمحاولة تعطيل أجندته التنفيذية التي وعد بها ناخبيه، في إطار دعاية مضادة مبكرة للانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكن يبدو أن "التسوية" ستكون الأقرب في اتخاذ القرارات التشريعية في واشنطن، خلال الفترة المقبلة، وهو ما عبرت عنه زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي، عندما قالت، إن حزبها سيستغل فوزه بأغلبية المجلس لتنفيذ جدول أعمال يحظى بتأييد الحزبين لدولة عانت "بما يكفي من الانقسامات".