طوال سبع سنوات، اتبع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون استراتيجية المواجهة لبناء ترسانته النووية، فوقعت الانفجارات تحت الأرض، وأُطلقت الصواريخ في السماء، كل ذلك كان بهدف إيصال رسالة مفادها أن البرنامج النووي لبلاده لا رجعة فيه.
لكن مسؤولين حاليين وسابقين من المخابرات الأميركية يقولون إن كيم يغير نهجه الآن، ليتناسب مع الرئيس دونالد ترامب الذي التقى به لبضع ساعات قبل ثلاثة أشهر في سنغافورة.
وتشير الأدلة المتاحة أن كوريا الشمالية لم تتوقف عن الوقود النووي وإنتاج الأسلحة، كما اعتادت بنشاط ملحوظ.
وبالنظر إلى هذه الأدلة، تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إنه يبدو أن كيم استعاد تاريخ إسرائيل وباكستان والهند، فأبقى محافظا على هدوئه، دون أي اختبارات نووية علنية، أو خلق أزمات، الأمر الذي يجعل ترامب يعتقد أن جهود نزع السلاح النووي على المسار الصحيح.
وذكرت الصحيفة الأميركية أن "صبر وتسامح" كيم ساعداه في "الحفاظ على مجموعة الكلمات الدافئة التي تلقاها من ترامب". وقبل أسبوع، أشاد الرئيس الأميركي بكيم، الذي قال إنه أقام علاقة خاصة معه، بعد أن امتنع الزعيم الكوري الشمالي عن عرض الصواريخ في شوارع بيونغ يانغ خلال احتفال عسكري.
أول تحدِ لـ"ترامب-كيم"
ومن المقرر أن يزور رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن الزعيم الكوري الشمالي في بيونغ يانغ، الثلاثاء المقبل، في ثالث اجتماع بينهما هذا العام.
وعلى مدى ثلاثة أيام، من المتوقع أن يناقش الرجلان "إعلان السلام" الذي قالت كوريا الشمالية إنه يجب أن يسبق أي مناقشة إضافية لنزع السلاح.
ويعدّ هذا الاجتماع أول تحد حقيقي بعد لقاء كيم-ترامب في سنغافورة، وبالرغم من ذلك قال البيت الأبيض إنه منفتح بشأن انعقاد اجتماع ثان مع زعيم كوريا الشمالية.
وبعد عام من إعلان ترامب أن كيم أمام خيارين إما نزع السلاح بسرعة أو مواجهة "النيران والغضب"، يقول الآن إن هناك متسعا من الوقت لحل الأزمة.
ويصف بعض كبار مستشاري الأمن القومي للرئيس الأميركي تصريح ترامب، في يونيو، عندما قال: "لم يعد هناك تهديد نووي" من كوريا الشمالية بـ"الخطأ الهائل"، لأنه عُد إشارة للصين وروسيا بانتهاء الأزمة، ومن ثم استئناف التجارة مع بيونغ يانغ.
وتشير التقييمات الجديدة، بحسب مسؤولي المخابرات الحاليين والسابقين، إلى أن كيم "قرأ بعناية ترامب"، وخلص إلى أنه طالما أن الدفء بينهما متبادل، فإنه يستطيع أن يتوقف عن تنفيذ مطالب نزع السلاح. وإذا لم يجر كيم اختبارات، فمن غير المرجح أن يستدعي ترامب دليلا على استمرار البرنامج النووي.
تقول المسؤولة السابقة في المخابرات الأميركية جونغ باك: "لقد صدمت من مدى السطحية التي نتعامل بها. أعتقد أن الكوريين الشماليين يشعرون بالخلل الوظيفي ويرونه في تغريدات الرئيس وإطرائه واستعداده للاجتماع مرة أخرى".
هذه الصدمة لا تتوقف عند موظفي المخابرات الأميركية فقط، بل امتدت إلى أحد أبرز المدافعين عن ترامب، وهو السناتور عن ساوث كارولاينا ليندسي غراهام، الذي قال، الأحد الماضي، إنه يشعر بالقلق من احتمال التلاعب بالرئيس.
وأضاف غراهام لشبكة سي بي أس: "هل يلعبون بنا؟ إذا كانوا يلعبون بترامب، فسندمر، لأنه لن يبقى أي خيار لنا. هذه هي الفرصة الأخيرة والأفضل للسلام".
البيت الأبيض "يصر"
وفي المقابل يقول البيت الأبيض إن تقدما كبيرا قد تحقق بهذا الشأن. وأشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز إلى أن آخر التجارب الصاروخية والنووية لكيم كانت قبل 10 أشهر، وأصرت على أن ذلك دليل على رغبة كيم في المضي قدما.
ومع ذلك، يستمر الإنتاج النووي دون هوادة، كما تشير صور الأقمار الصناعية وغيرها من الأدلة. لم يقنع وزير الخارجية مايك بومبيو الكوريين الشماليين بتسليم مخزونهم من منشآتهم النووية الرئيسية والمواد، ناهيك عن الإعلان عن عدد الأسلحة التي يمتلكونها.
وفي الوقت الذي فجر به كيم مداخل موقع تجربة نووية، وبدا وكأنه بدأ في تفكيك منصة اختبار محركات الصواريخ، لم يعد يسمح لأي مفتشين بتحديد ما إذا كانت هذه التصرفات كانت ببساطة من أجل الكاميرات فقط أم حقيقية.
قال كيم إن "إعلان السلام" الذي ينهي الحرب الكورية رسميا يجب أن يكون خطوة أولى، بينما حث مون الولايات المتحدة على تقديم هذا الضمان. يعتقد الزعيم الكوري الشمالي أن ترامب ملتزم بمثل هذا الإعلان، وكل ذلك من أجل طريق إلى معاهدة سلام أكثر رسمية.
لكن كلا من بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون قالا إن التقدم نحو نزع السلاح النووي يجب أن يأتي أولا.
وتبدو الآن أن استراتيجية كيم بسيطة: تقليد باكستان التي أجرت تجربة نووية كبيرة في عام 1998، ولم تلتفت إلى المطالب الدولية بالتخلي عن أسلحتها. لقد نجحت باكستان إلى حد كبير، ولديها الآن ترسانة كبيرة، وعندما زار بومبيو إسلام آباد مؤخرا لم يكن هناك نقاش عام يذكر بشأن ترسانة باكستان النووية.
قال نيكولاس بيرنز وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية أثناء إدارة جورج دبليو بوش: "إن كيم يفهم ما يحمي الباكستانيين".
وأضاف "طالما أن لديك مجموعة من الدول ستعترف بك، وستتبادل التجارة معك، فإنه من الصعب جدا على الولايات المتحدة أن تنجح في تفكيك الأسلحة النووية".
وتابع "فرض ترامب عقوبات دولية قوية على كيم، لكنه أهدرها في سنغافورة ".
نماذج سبقت كيم
يبدو النموذج الباكستاني جليا وجذابا. باكستان تعاني من عقوبات قليلة بسبب برنامجها النووي، أو رفضها التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي. ولم تختبر سلاحا منذ 20 عاما، بعدما أثبتت بالفعل قدراتها الأساسية، تماما مثل كوريا الشمالية. وينطبق الشيء نفسه على الهند وإسرائيل، وغيرهما من غير المنضمين إلى المعاهدة.
استغلت كوريا الشمالية الوضع لزيادة التجارة مع الصين وروسيا، في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة. ويوم الجمعة، اتهمت المبعوثة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي روسيا بالسعي للتستر على انتهاكات للعقوبات الدولية على كوريا الشمالية بعد أن ضغطت موسكو لإدخال تغييرات في تقرير مستقل بشأن خرق العقوبات.
ودعت الولايات المتحدة إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الاثنين، لمناقشة تطبيق وإنفاذ عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية، وفقا لبيان صدر عن مكتب هيلي.
وطالما أعلن ترامب أن الأزمة انتهت، فإن الصين وروسيا ستبحثان عن الحفاظ على الوضع الراهن.
وقال مسؤول مخابراتي رفيع المستوى مؤخرا إن الكوريين الشماليين يستمعون بشكل انتقائي، ففهم يركزون على تطمينات ترامب المتحمسة لكيم، مثل تغريدته في الثاني من أغسطس الماضي: "شكرا لك على رسالتك الجميلة - أتطلع إلى رؤيتك قريبا".
ويعتمد اجتماع ترامب-كيم بما سيسفر عنه اجتماع رئيس كوريا الجنوبية بكيم. ويقول أحد كبار المسؤولين في كوريا الجنوبية إنه يشعر بالقلق من احتمال خسارة الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب لانتخابات التجديد النصفي أو شعر بمزيد من الضغط في تحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات، الأمر الذي سيسفر عن اتجاهه نحو استئناف التهديدات بالعمل العسكري.
لذا عندما اجتمع مون بحكومته، الثلاثاء، لم يتحدث عن "نزع كامل للسلاح النووي، يمكن التحقق منه، ولا رجعة فيه"، وهو الأمر الذي كانت تهدف إدارة ترامب لتحقيقه من خلال مباحثاتها مع كوريا الشمالية.
وقال: "ما يحتاجه الجنوب والشمال ليسا مجرد إعلان مشترك آخر، بل إيجاد طرق لتنمية العلاقات بشكل كبير. لا يمكننا إيقاف جهودنا للتوسط وتيسير المحادثات إلى أن يتدفق الحوار والاتصال بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة بسلاسة".