أعاد ظهور العقيد السابق في المخابرات العسكرية الروسية، الذي جندته المخابرات البريطانية سيرغي سكريبال، هذا الأسبوع، إلى الأذهان مشاهد قديمة امتازت بها فترة الحرب الباردة بين أميركا وروسيا، اُستخدم فيها "الجواسيس" كعامل رئيسي خفي في النزاع بينهما.

فسكريبال الذي تقاضى 100 ألف دولار مقابل تجسسه لصالح بريطانيا منذ عام 1990، لم يكن آخر عملاء القرن الـ20. ورغم دخول العالم عصر الفضاء السيبراني والمراقبة الإلكترونية والابتكارات الفائقة في القرن الـ21 لم تستغن بعض الدول المتقدمة عن الجواسيس والعملاء.

ويُنظر إلى الجاسوس كيم فيلبي باعتباره مرجعا لعالم الجاسوسية في الحرب الباردة نظرا لأنه أشهر عميل مزدوج في العصر الذهبي للتجسس.

وتنقل رويترز عن فيلبي قوله لضباط جهاز أمن الدولة بألمانيا الشرقية (ستاسي) في عام 1981، إن بقائه كعميل مزودج كان مرتبطا بعدة عوامل، أبرزها الحفاظ على انطباع البراءة الذي يبديه عند مواجهته، بالإضافة إلى إمكانية إنكاره لأي أدلة قد تدينه.

وهذان العاملان يميزان درجة التخفي التي يكون عليها "التجسس البشري" مقارنة بالإلكتروني.

وتعد قضية تجسس الضابط في البحرية الأميركية، إدوارد لين، لصالح الصين مثالا صارخا لرهان الدول المتقدمة على التجسس البشري، وعدم الاكتفاء بالتجسس الإلكتروني الذي تجيده الصين.

فقد كان لين عضوا في وحدة طيران استطلاع تابعة للبحرية الأميركية تطير من هاواي، وعلى دراية ببعض المعدات البحرية الأكثر تطورا. كما أنه على علم بأكثر المهمات البحرية "الحساسة" في المحيط الهادئ.

وتعطي قضية لين مثالا على ما يقدمه "الجاسوس البشري" من دقة بالغة بشأن التقنيات أكثر تطورا، الأمر الذي لا يوفره التجسس الإلكتروني، رغم ما أحدثته ثورة المعلومات من تحول هائل في مقدار البيانات التي يمكن جمعها عن بعد "ببساطة" ومن دون خسائر، حتى بعد اكتشاف التجسس.

ويمكن للجواسيس توفير معلومات أكثر عمقا مقارنة بالتكنولوجيا، خاصة إذا كان لديهم الدافع القوي للتجسس (مالي أو فكرى)، ولديهم الخبرة والتخصص في أماكن تجسسهم.

وتعد "حلقة تجسس كامبريدج" التي ضمت كيم فيلبي أبرز مثال على الدافع الفكري، فالحلقة ضمت العديد من الأجانب "الشيوعيين" الذين تجسسوا لحساب الاتحاد السوفيتي.

وفي الفترة من عام 1965 وحتى 1985، قدم ضابط البحرية الأميركية جون ووكر لموسكو أسرارا متنوعة عن الغواصات والمعدات البحرية الأخرى، الأمر الذي سمح للبحرية السوفيتية بسد الفجوة بين القوتين بشكل كبير، بحسب مراقبين.

وتساهم الإجراءات الحدودية الحالية بين الدول في تسلل العملاء والجواسيس بطريقة أسهل من أي وقت مضى، لكن طبيعة عملهم تظل صعبة نظرا لمحاولتهم طوال الوقت الحفاظ على سرية مهاهم وهوياتهم الحقيقية.