قبل 36 عاما صنع الفنان المسرحي والموسيقي اللبناني زياد الرحباني من بلد صغير مصحة عقلية أنهكته 5 سنوات من الحرب الأهلية، وفيه ستجد الطوائف اللبنانية جميعها متمثلة بشخصيات تعكس واقع الحال المتشظي على مسرح الوطن الكبير.
يجسد المشفى العقلي حينها بمسرحية ظلت لعقود في أذهان الناس عبرالتسجيل الصوتي فقط، إلى أن قررت شركة لبنانية ترميم الصوت على الصورة وتقديم العمل كفيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه "فيلم أميركي طويل".
وقد بدأ عرض الفيلم في دور السينما اللبنانية في ثاني تجربة توليفية لشركة "إم ميديا" بعد عرضها مسرحية "بالنسبة لبكرا شو"، التي جذبت 155 ألفا على شباك التذاكر مطلع العام الجاري.
وتعول الشركة على نجاح مماثل في "فيلم أميركي طويل" لما لهذه المسرحية من تأثير في وجدان الناس، خصوصا للذين عايشوا الحرب الأهلية ورأوا في الرحباني فنانا يستشرف الحدث ويكتبه كأنه سيحصل غدا.
ويوثق الرحباني توقعاته المسبقة من تاريخ مسرحيته التي يقول في بدايتها إن "أحداث هذه المسرحية تجري في شهر أكتوبر 1980 أو أكتوبر 1979 أو أكتوبر 1978"، وقد أضيف عليها اليوم تاريخ حديث يواكب العصر.
وبمئة دقيقة عرض تعود الشخصيات المضطربة عقليا إلى لعب أدوارها بإتقان وعفوية مطلقة، لتعكس واقع وطن أصيب بلعنة الطائفية، ومن هذه الشخصيات التي تركت بصماتها على الواقع اللبناني نرى الأستاذ عبد (ويجسد دوره الممثل رفيق نجم)، أستاذ الجامعة الباحث دوما عن كشف أسباب الحرب والمؤامرة الأميركية.
كما نرى الحشاش أبو ليلى (ويجسد دوره الممثل جوزيف صقر) الذي تتم معالجته من الإدمان فيجد أن الحرب أكثر ضررا من نبتة الحشيشة ونزار ابن الحركة الوطنية، الذي اكتشف أنه في "خندق واحد مع الرجعية العربية"، التي تمول "حركات التحرر العربي"، وزافين الذي يعرف باسم ستيريو (ويجسد دوره الممثل غازاروس الطونيان)، تلك الشخصية الأرمينية الواقعة على خط انتماء غير فاصل للهوية، وإدوار (ويجسده زياد أبو عبسي) المتوجس دائما.
ولعل شخصية رشيد التي يؤديها زياد الرحباني هي الأقرب توصيفا لمرحلة الثمانينيات، حيث بلغ التشظي أوجه في لبنان.
وفي الفيلم المسرحية، تبرز أغان كثيرة يؤديها جوزيف صقر، كانت ولا تزال لصيقة باللبنانيين، حيث أصبحت أغنية "يا زمان الطائفية" من أكثر الأعمال الفنية لزياد الرحباني التي تعكس واقع الحال المتشظي طائفيا.
كل هذه الشخصيات التي صعدت إلى خشبة مسرح جان دارك في بيروت عام 1980، اجتمعت بمئة دقيقة سينمائية مساء الأحد، بعد اختصار المسرحية الأم التي تقارب الساعتين وربع الساعة.
وتفاعل الحضور الذي غصت به قاعة المسرح مع الفيلم وكأنه يشاهد المسرحية مباشرة، إذ راح يصفق للممثلين ما أن اعتلوا المسرح وردد الأغاني التي أداها الفنان اللبناني الراحل جوزيف صقر.
وتنوع الحضور ما بين جيل شاهد المسرحية، التي لاقت نجاحا جماهيريا في عرضها الأول عام 1980، وأراد أن يعيش مجددا ذكريات بيروت في هذا العمل، وما بين جيل من الشباب ترعرع على تسجيلات مختلف أعمال زياد الرحباني.