حين تقرأ أولى كلمات الرواية الجديدة للكاتب الأردني قاسم توفيق "رائحة اللوز المر" إما أن تنحي الرواية جانبا لأنه "عيب" أو تستمر في القراءة متصورا أنك ستطالع "رواية جنسية رخيصة، لكن الأمر غير هذا وذاك تماما.

ورغم أن الإبداع الأدبي يعني أن النص غالبا ما يختلقه مبدعه ـ وإن حمل ثقافته وفكره وخبرته الحياتية ـ إلا أن تلك الرواية يبرز فيها المؤلف تماما أكثر من أعماله الأخرى.

نشر قاسم توفيق قصصا وروايات عديدة منذ صدور روايته الشهيرة "ماري روز تعبر مدينة الشمس" في مطلع الثمانيات من القرن الماضي، وربما كان البطل في بعضها أقرب للمؤلف. إلا أن ماري روز ورائحة اللوز المر هما أكثر ما يتبدى المؤلف في العمل فيهما ـ أفكارا ورؤية.

يقول قاسم توفيق عن روايته الأخيرة: "الآن تكلمت .. لم استغرب أن اجد صعوبة في نشر الرواية بسبب مطلعها، فالتسامح الفكري كان أكبر قبل عقود منه الآن".

تحكي رواية ماري روز قصة حب بين شاب مسلم وفتاة مسيحية تقف التقاليد والأعراف عقبة امام حبهما، ورغم أن تلك كانت جرأة قبل ثلاثة عقود إلا أنها كانت محتملة.

في رائحة اللوز المر تقرأ على مدى ما يقرب من ثلثي الرواية مشكلة رجل يحكي عن استعباد "عضوه" له، لكن بطريقة تشبه سفر "نشيد الإنشاد" في العهد القديم من الكتاب المقدس. ولك ان تفسر الرموز بأي طريقة.

كما يضع الموسيقي لحنا وفي ذهنه شيء ويتلقاه الملايين كل على طريقته، يثير في هذا غير ما يثيره في ذاك، هكذا رواية رائحة اللوز المر لقاسم توفيق.

في الرواية كثير من الصوفية والانتقال ما بين السياسة والاقتصاد والدين، وكل مكونات الثقافة العامة، تعكس المؤلف وما راكمه من معارف وخبرات. ليس على طريقة نيكوس كازانتزاكس ولا حتى ميلان كونديرا .. ولكن بطريقة قاسم توفيق التي تلمسها في كل أعماله السابقة.

لا ينتقص هذا التكثيف الصوفي من مهارة السرد الروائي، ولا يخلو العمل من أعمدة الرواية التقليدية من حبكة ودراما.

لكن "رائحة اللوز المر" تهب عليك من صحراء ما في الأردن حاملة معها الكثير من ثقافة العرب وتراثهم وحياتهم المعاصرة كما اعتصرها المؤلف و"عبأها" في رواية.