ظهر جيل جديد من الشباب العراقي يحلم بإحياء السينما في بلاده لتعبر عن واقعه دون أن تعود بوقا دعائيا للنظام محاولين تخطي العوائق ومشكلات الوطن التي ترتطم بها أحلامهم من غياب للأمن والدعم والافتقار حتى لدور العرض.
"اليوم، وبعد مرور 10 سنوات على الحرب لا يزال لا يوجد مكان طبيعي آمن يذهب الناس إليه لمشاهدة فيلم"، كما يشير المخرج العراقي الشاب عدي رشيد.
رشيد عبر مع صديقه المخرج محمد الدراجي والمخرج قاسم عبد في ندوة "الشتات ونهضة السينما العراقية" التي أدارها زميلهم العراقي انتشال التميمي حول البحث عن أسباب عودة السينمائيين المغتربين إلى بلدهم لتوثيق قصصه والمقامة في إطار الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي.
يؤيده الدراجي الذي يرى أن بناء فن السينما في العراق يحتاج إلى "كل شيء من الألف إلى الياء، حيث يفتقد البنية التحتية ويحتاج إلى ترميم وبناء دور العرض السينمائي وتهيئة الكوادر الفنية ووضع حد للفساد الإداري والمحسوبية".
وعرفت العراق دور العرض السينمائي بعد الحرب العالمية الأولى وكانت تعرض أفلاما أجنبية ومصرية، ثم أنتج فيلم "ابن الشرق" عام 1946 وفي العام التالي الإنتاج المصري- العراقي المشترك "القاهرة-بغداد" وأسس إثر ذلك استوديو صغير في بغداد كان أول انتاجه "عليا وعصام" عام 1949.
عدي رشيد هو صاحب فيلم "غير قابل للعرض" الذي كان أول عمل عراقي يصور بعد الحرب الأميركية على العراق في 2003.
ويحكي الفيلم المعاناة والإحباط اللذين يعاني منها طاقم سينمائي عراقي يصور عمله، أثناء الغزو الأميركي، على أفلام منتهية الصلاحية بسبب الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضا على البلاد أثناء حكم صدام حسين.
والفيلم الذي تم تصويره فعلا على أفلام غير صالحة يرمز اسمه إلى الإحباط وميراث المشكلات والفساد التي يعاني منها العراق.
أما فيلمه الثاني "كرنتينة" فتدور أحداثه حول عائلة مهجرة تسكن نفس البيت الذي يسكنه قناص مأجور.
أما الدراجي فأخرج ثاني فيلم بعد الحرب وهو "أحلام"، وفاز بجائزة أفضل مخرج شرق أوسطي المقدمة من مجلة "فارايتي" في عام2010 ، وحضر إلى أبو ظبي حاملاً جديده "تحت رمال بابل" الذي يدور حول ظروف اعتقال جندي عراقي أثناء انسحاب الجيش العراقي من الكويت عام 1991، واتهامه بالخيانة والتخاذل ليودع في أحد سجون نظام صدام حسين سيئة الصيت.
يرى قاسم عبد أن "السينما العراقية جزء من الهوية العراقية وتوصل هموم وأفراح وأحزان الوطن".
"لكن تحت حكم صدام حسين التوت هذه الهوية وكرست لخدمة النظام والدعاية له. لكن بعد 2003، أصبح هناك مناخ آخر".
عبد أسس بجهوده الذاتية "مدرسة السينما" لتعليم الشباب الأساليب العلمية لصناعة السينما في العراق بعد عودته إلى بلده التي غادرها عام 1975 إلى موسكو ولندن.
"هناك حماس وحراك بين الشباب، يريدون أن ينتجوا أفلاما لذا فكرت أن أنشيء المدرسة لأنه على مدى العقود الثلاثة الأخيرة لم يسافر أحد لدراسة السينما والعودة بأحدث الأساليب السينمائية فالشباب ينقصه التعليم وكيف له أن يصنع فيلما دون أن يعرف التصوير والمونتاج والإخراج"، حسب عبد.
وقامت المدرسة بتدريب 150 طالبا وإنتاج 18 فيلما حاز بعضها على جوائز في مسابقات دولية لأفلام الطلبة.
ويتمنى رشيد أن توجد في بلده جهة مستقلة تتمتع بالإمكانيات المادية والتقنية والفنية بحيث تخطط لإنتاج فيلم عالي الجودة دون الوقوع تحت سيطرة نظام الحكم كما كان الحال في عهد صدام حسين.
يلخص الدراجي معاناة السينمائيين في معاناة وطنهم قائلا " نحن في بلد خاض حروبا وفيها أجيال خرجت من النظام السابق وقد تكون طريقة تفكيرنا مشوهة. في النهاية، هذا الجيل جزء من هذا البلد والأحداث التي مررنا بها منذ عام 2003 ليست هينة ولا توجد بنية تحتية تمكنك من أن تعيش حياة عزيزة مكرمة".
لكنه يؤكد أنه "يجب أن نخطو للأمام وندافع عن حقنا وأن يسمع صوت المثقف العراقي لأننا لو ظلت ردة فعلنا أن كل شيء خطأ فستكون النتيجة دائما الفشل".
"على الرغم من كل شيء فقد قدمنا أفلاما وأعمالا نالت الإعجاب والاستحسان والتشجيع".