تمكنت السلطات المصرية من اكتشاف مقبرة الكاتب الملكي "جحوتي إم حات" والتي يعود تاريخها لمنتصف الألفية الأولى قبل الميلاد، وذلك بمنطقة آثار أبو صير بالجيزة جنوبي القاهرة.
- وقال مسؤول بوزارة السياحة والآثار لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "هذا الكشف يعد كنزا أثريا فرعونيا هو الأول من نوعه في تلك المنطقة، فضلا عن التوصل لأسرار جديدة تخص مقبرة قائد عسكري كبير من مصر القديمة".
وبحسب وزارة السياحة والآثار فالكنز كشفته البعثة الأثرية التشيكية التابعة لكلية الآداب، جامعة تشارلز ببراغ أثناء أعمالها بمنطقة آثار أبوصير، ويضم هذا الجزء من الجبانة مقابر لكبار المسئولين والقادة العسكريين من الأسرتين السادسة والعشرين، والسابعة والعشرين، وله أهمية كبيرة بالنسبة لدارسي المجتمع المصري القديم خلال هذه الحقبة.
أهمية الكشف، بحسب وزارة السياحة والآثار:
- شخصية هذا الكاتب الملكي "جحوتي إم حات" والذي عاش خلال فترة الأسرة السابعة والعشرين من التاريخ المصري القديم، لم تكن معروفة من قبل.
- هذا الاكتشاف الجديد، إلى جانب الاكتشافات السابقة في موقع أبوصير ومنها مقبرة القائد العسكري "واح إيب رع" والتي تم الكشف عنها العام قبل الماضي بواسطة البعثة التشيكية، سوف يلقي المزيد من الضوء على التغيرات التاريخية التي حدثت في مصر خلال الأوقات المضطربة في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد.
- المقبرة شُيدت على شكل بئر ينتهي بحجرة للدفن، وعلى الرغم من أن الجزء العلوي من المقبرة لم يعثر عليه سليماً، إلا أن حجرة الدفن تحتوي علي العديد من المناظر والكتابات الهيروغليفية الثرية.
- يمكن الوصول لحجرة الدفن عن طريق ممر أفقي صغير أسفل البئر يبلغ طوله حوالي 3 أمتار.
- البئر المؤدي للمقبرة عُثر بداخله على الكثير من بقايا المناظر التي كانت جزءاً من مناظر المقبرة المجاورة والتي شيدت لأحد القادة العسكريين خلال تلك الفترة وكان يدعي "منخ إيب نيكاو".
- حجرة دفن الكاتب الملكي "جحوتي إم حات" غنية بالنصوص والمناظر، حيث يوجد على الجدار الشمالي (المدخل) سلسلة طويلة من النصوص الدينية ضد لدغات الثعابين والمقتبسة من نصوص الأهرامات.
- منقوش على الجدران الجنوبية والغربية مناظر لقرابين طقسية وقائمة كبيرة من القرابين، أما سقف حجرة الدفن فنُقش عليه منظر لرحلة الشمس عبر السماء في مراكبها الصباحية والمسائية، مصحوبة بتراتيل لشروق الشمس وغروبها.
تكوين المقبرة
نائب مدير البعثة التشيكية، الدكتور محمد مجاهد، قال إن البعثة عثرت أثناء أعمالها داخل حجرة الدفن على التابوت الخاص بالمتوفي، وأنه مصنوع من الحجر ومزين بنصوص هيروغليفية وتصوير للآلهة من الخارج والداخل.
وأضاف أن الجانب العلوي من غطاء التابوت والجوانب الأطول له فمزينة بنصوص مختلفة من كتاب الموتى، بما في ذلك صور الآلهة التي تحمي المتوفى، وتحمل الجوانب الأقصر للغطاء صور للإلهتين "إيزيس ونفتيس"مصحوبة بنصوص الحماية للمتوفى.
أما الجوانب الخارجية للتابوت بحسب مجاهد فمزينة بمقتطفات من نصوص التوابيت والأهرامات، وهي تكرار جزئي للتعاويذ التي ظهرت بالفعل على جدران حجرة الدفن.
وفي أسفل الجدار الداخلي للتابوت تم تصوير الإلهة "إيمنتت" إلهة الغرب، وتحتوي الجوانب الداخلية على ما يسمى بالتعاويذ الكانوبية، تتلوها هذه الإلهة وإله الأرض "جب". منوها إلى أن كل هذه النصوص الدينية والسحرية المذكورة كان الهدف منها ضمان دخول المتوفى بسلاسة إلى الحياة الأبدية.
وأكد نائب مدير البعثة التشيكية أنه لم يتم العثور داخل مقبرة الكاتب الملكي "جحوتي إم حات" على أيه أواني جنائزية، مشيرا إلى أن المقبرة تعرضت للسرقة ربما في وقت مبكر من القرن الخامس الميلادي.
أسرار قائد عسكري
وفي تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، قال مجاهد، تعليقا على هذا الكشف "إن تلك أول مرة يتم العثور على مقبرة لكاتب فرعوني في منطقة أبو صير الأثرية".
وأوضح أنه "سبق العثور على مقابر لعدة كتبة من الأسرة الأولى في مصر القديمة ولكن هذه أول مرة يتم العثور على مقبرة كاتب من الأسرة 26 و27 في تلك المنطقة".
واستطرد أن النقوش التي وجدت داخل المقبرة المُكتشفة ومقتبسة من نصوص الأهرام تدل على أن الفراعنة في عهد الأسرتين 26 و27 أرادوا الاقتداء بفترة الإزدهار وقت الأسرة الخامسة التي نُقشت خلالها نصوص الأهرامات.
وشدد على أن اكتشاف تلك المقبرة يساعد في الوصول لمزيد عن أسرار مقبرة أحد أهم القادة العسكريين في الأسرتين 26 و27 وهو "منخ إيب نيكاو" حيث تم العثور على بقايا مناظر الجزء العلوي من مقبرته المُكتشفة عام 2002، حيث كانت تلك المناظر مفقودة، ووُجدت في البئر المؤدي لمقبرة الكاتب الملكي.
وبحسب وزارة السياحة والآثار فقد أظهرت الدراسات الأنثروبولوجية لبقايا الهيكل العظمي لصاحب المقبرة، أن "جحوتي إم حات" توفي في سن مبكرة نسبيًا حيث من المرجح أن يكون توفي في عمر يناهز الـ 25 عام.
وأوضحت أنه كان يوجد بموميائه علامات تدل أنه كان يعاني من بعض الأمراض بسبب وظيفته مثل تآكل في العمود الفقري بسبب العمل جالساً لفترات طويلة، كما كان يعاني من هشاشة شديدة في العظام، وتلك الإصابة ربما تؤكد أن "جحوتي إم حات" كانت له صلة قرابة بينه وبين أصحاب المقابر المجاورة، والذين تم التأكيد من إصابتهم أيضًا بنفس المرض، منهم علي سبيل المثال الكاهن "إيوف عا" الشهيرة.
وظيفة الكاتب الملكي
أستاذ الآثار المصرية بجامعة القاهرة، أحمد بدران قال لموقع "سكاي نيوز عربية" إن هذا الكشف مهم جدا لأنه يأتي من حقبة تاريخية متأخره من الحضارة المصرية القديمة، ويثبت استمرارية الوظائف الإدارية الهامة وأيضا المؤسسات الإدارية مثل صاحب مقبرة اليوم "جحوتي إم حات: والذي يعني إسمه "جحوتي في المقدمة".
وتابع أن هذا الكاتب عاش في منتصف الألف الأول قبل الميلاد أي حوالي ٥٠٠ ق. م، ووهي الفترة التي شهدت قدوم العديد من الشعوب إلى مصر مثل الفرس والإغريق والأشوريين وغيرهم، لكن مصر لا تزال قوية وتحتفظ بتقاليدها العريقة في الفن والعمارة وأساليب الدفن والتحنيط وهو ما يتضح جلياً في مقبرة جحوتي إم حات التي كشفت عنها البعثة التشيكية في أبو صير.
وأوضح أن وظيفة الكاتب معروفة منذ بداية الحضارة المصرية القديمة، وأشهر نماذج تماثيل الكتبة ترجع للدولة القديمة مثل كاتب المتحف المصري وكاتب متحف اللوفر.
وختم بدران بأن "الكاتب الملكي كان يحظى بمكانة كبيرة في البلاط الملكي، لأنه مختص بتسجيل كل الوثائق الملكية، وأيضا كتابة المراسيم والأوامر الملكية، فهو حلقة الوصل بين الملك وإدارت الدولة المختلفة وذلك لأن مصر دولة مؤسسات منذ القدم" .