اتصلت ماريا بنبراهيم كعادتها قبل الخلود إلى النوم بأسرتها للاطمئنان على أحوالهم وسماع صوت طفلها، وفور إنهاء المكالمة، تبدد ضوء أزرق إلى الغرفة ثم لمحت شقوقا ارتسمت بسرعة البرق على الجدران، وفي أجزاء من الثانية كانت تحت الأنقاض.
ماريا التي اختارت طواعية أن تمارس مهنة "القابلة"، ذات الحمولة الإنسانية، بدار الولادة نيعقوب بإقليم الحوز، ظلت تحت الركام، تئن من وطأة الألم والجروح، لا تستوعب ما حصل، تردد الشهادة مرة مستسلمة للقدر، وتتوسل الله مرة أخرى أن لا يحرم ابنها من حنان الأم.
وقبل أن تفقد الأمل، سمع أنينها الممرض الرئيسي بالمركز الصحي المجاور، عبد العزيز الراودي الذي بادر بالبحث عن ناجين من طاقم المركز مباشرة بعد مرور الزلزال المدمر.
ويقول الراودي في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية": "كان الظلام الحالك يعم المكان. تقدمت خطوات وسمعت صوتا قادما من تحت المنزل المردوم. طلبت من ماريا أن تتماسك وبدأت في الحفر قليلا بجانب رأسها ليتسلل الهواء إليها من فتحة صغيرة بجانب رأسها".
"كان وجهي مغطى بالتراب، حاولت التململ لأنفضه عني دون جدوى، كنت أتنفس بصعوبة، لم أستوعب ما أنا فيه. وبمجرد أن سمعت صوت عبد العزيز طلبت منه ألا يتركني وحيدة"، توضح ماريا بصوت يرتجف لموقع "سكاي نيوز عربية".
أمضت القابلة حوالي 40 دقيقة تحت الأنقاض، قبل أن تخرج إلى الحياة من جديد بفضل مساعدة بعض أهالي الدوار، الذين لم يبخلوا في تقديم يد العون للممرض الرئيسي.
كانت الممرضة الشابة التي لا يتعدى عمرها 28 عاما تعاني من كدمات وجروح في الرأس والجسم، لكنها أخبرت فريق الممرضين الناجي أنها "ستقوم بعملها حتى لو كلفها ذلك حياتها".
ومع طلوع الشمس، وبعد ليلة في العراء، بدأت ماريا رفقة زملائها مهمتها الإنسانية وقدمت الإسعافات الأولية والضرورية للمتضررين من الزلزال.
وتذكر أن أكثر حالة حرجة صادفتهم كانت لسيدة مصابة بداء السكري، وقع جدار على حوضها ولم تعد قادرة على التبول. وبالاستعانة بخبرة عبد العزيز الطبية، استطاعوا تخطي المشكل الصحي.
لكنها في المقابل لم تظن أن حبة من كروم التين التي اكتشفتها صدفة يوما قبل الزلزال ستكون سببا في إنقاذ هذه السيدة التي كانت تعاني من انخفاض السكر في الدم وعلى وشك فقدان الوعي.
وبينما بدأت تتوافد النساء الحوامل على ماريا للاطمئنان على صحة الأجنة، وصلها خبر ظهور علامات المخاض على سيدتين من أهالي الدوار.
لم تدخر القابلة التي تصف نفسها بـ"الجندية" جهدا للتخفيف من معاناة وألم الأمهات لحظة المخاض، حيث انتقلت بسرعة إلى دار الولادة المتضرر وأحضرت المعدات المعقمة الخاصة بالتوليد.
وتتابع بصوت دامع: "أقسمت أن تتم عملية التوليد في ظروف تحترم كرامة النساء وتحفظ سلامتهم. طلبت أن أقيم خيمة بسيطة بمساعدة الجيران، وقمت لوحدي بتوليد سيدتين. الأولى رزقت بطفلة والثانية بتوأم، وبفضل من الله، كانوا في حالة جيدة".
وبعد ساعات من العمل على فتح المسالك الطرقية المؤدية إلى دوار ينعقوب، وصلت ليلا عناصر الوقاية المدنية والدرك الملكي وأسرة الممرضة التي نقلتها إلى مراكش حيث تلقت الفحوصات اللازمة.
ورغم أنها لاتزال تعاني من هول الصدمة، ولا يغمض لها جفن طيلة ساعات الليل الطويلة، تؤكد ماريا التي وصفها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بـ"ملاك الرحمة"، "أنها ستعود من جديد إلى نفس الدوار لـ"تقدم خدماتها بتفان لسكان المنطقة".
وتختم حديثها بالقول: "لن أتخلى عنهم. بقدر صعوبة وخطورة الطريق للوصول إليهم بقدر طيبتهم وأخلاقهم العالية".