قدرت وزارة الصحة في تونس عدد الشواطئ غير القابلة للسباحة خلال هذا الصيف بـ29 شاطئا تتمركز خاصة في الضاحية الجنوبية للعاصمة (16 شاطئا) أين تتنشر الوحدات الصناعية، وبين محافظات سوسة وقابس وبنزرت، ليسجل بذلك عدد الشواطئ التي تعاني من التلوث ارتفاعا بـ8 شواطئ جديدة مقارنة بالسنة الماضية.
وأكدت نتائج أنشطة المراقبة الصحية المنجزة خلال الفترة المنقضية من سنة 2023 من قبل مصالح وزارة الصحة أن نسبة مياه الشواطئ ذات النوعية الحسنة والحسنة جدا تمثل 71% من مجموع الشواطئ التونسية رغم ظهور مشاكل تتعلق بالتلوث وجودة المياه في 29 شاطئا أثبتتها التحاليل البكتريولوجية، مما دعا السلطات الصحية إلى تركيز لافتات تمنع السباحة فيها تجنبا للمشاكل الصحية.
سوء إدارة المياه المستعملة أضر بالبحر
وقالت رئيسة جمعية النهوض بثقافة البيئة ألفة مدب، إن مصادر تلوث مياه البحر تتمثل خاصة في مياه المصانع التي تربط عشوائيا بالبحر في ظل عدم قدرة محطة تطهير المياه المستعملة بمدينة رادس جنوب العاصمة على استيعاب كميات المياه الملوثة المتأتية من مصبات المصانع أو الناجمة عن الاستعمال المنزلي في المناطق التي تشهد كثافة سكانية عالية.
وأضافت الناشطة في المجتمع المدني في حديث للموقع أن غياب الرقابة على الوديان التي تصب بدورها في البحر فاقم الأزمة في شواطئ الضاحية الجنوبية للعاصمة التي كانت في الماضي من أنظف الشواطئ في البلاد والمتنفس الوحيد لملايين السكان في مدن العاصمة.
هذا ويقود نشطاء في الجمعيات البيئية منذ سنوات حملات كبرى لتنظيف الشواطئ والتنديد بظاهرة تحويل مياه الاستعمال الصناعي والفلاحي غير المطهرة كليا إلى البحار، مما ساهم في تلوث مياه الشواطئ وغير وجهة عدد من المناطق الساحلية مطالبين برقابة أكثر صرامة من السلطات البيئية والصحية لضمان معالجة المياه التامة قبل تصريفها في البحر.
أضرار بيئية واقتصادية
وقال الناشط البيئي هيكل الخمسي، إن قصة التلوث في محافظة بن عروس عمرها اليوم 30 سنة وقد تسببت في تضرر 13 كلم من الشواطئ بسبب تعدد الملوثات، ومن بينها أن شاطئ رادس الذي يحتضن أكبر محطات توليد الكهرباء التي تستهلك كميات كبيرة من المياه يتم تصريفها مباشرة في البحر، كما أن وادي مليان وهو من أكبر أودية تونس ينطلق من محافظة زغوان ويصب في بحر رادس وعبر كامل مساره ترمي المصانع مياهها الملوثة، إلى جانب تقاطع الوديان الصغيرة مع البحر حاملة الكثير من ملوثات الإنتاج الفلاحي.
وأوضح الخمسي في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية، أن المناطق الصناعية مطالبة بإيجاد حلول لتقليل مضار أنشطتها على البحر والبيئة عبر تطوير تقنيات رسكلة المياه وتدويرها، كما أن الدولة مدعوة لتشديد الرقابة على مدى التزام الوحدات الصناعية بالضوابط البيئية ومساعدتها على تطبيقها حتى لا تضطر إلى الإغلاق التسبب في مشكل اجتماعي لألاف العاملين.
وأضاف الخمسي أن التلوث البحري له تبعات اقتصادية وساهم في فقدان مواطن شغل كثيرة في قطاع السياحة والخدمات بعد تراجع القيمة البيئية لشواطئ الزهراء وحمام الأنف ورادس التي كانت تضم أجمل المطاعم السياحية وتخلق حركة تجارية مهمة بسبب توافد المصطافين.
وفي قابس جنوب البلاد أيضا، يخسر مئات الصيادين مورد رزقهم الوحيد بسبب التلوث البحري الذي يساهم فيه المجمع الكيميائي ويخلف مغادرة الأسماك لبحر قابس.
كائنات بحرية هجرت الشواطئ
واعتبرت الخبيرة في البيولوجيا البحرية هند العويني في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية أن آثار تلوث مياه البحر كارثية على كل الكائنات الحية، وأن ما يرى اليوم بالعين المجردة على الشواطئ الملوثة هو اللون الداكن للمياه وانبعاث الرائحة الكريهة ونفوق الكائنات البحرية وهجرة النحام الوردي والعصافير.
وأضافت العويني أن السلاحف وأصناف الأسماك المختلفة تضررت وهجرت الشواطئ بسبب كثافة تركيز مادة الفسفور في المياه التي أصبحت ميتة وخالية من الكائنات البحرية، إلى جانب مضار تلحق بالإنسان في حال السباحة في هذه المياه وتتعلق بأمراض تنفسية وجلدية ومناعية خطيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن تلوث مياه البحر في تونس يعود أساسا إلى تسرب جزيئات لموارد طاقية ومواد كيميائية وأخرى عضوية داخل البيئة البحرية ما يضر بصحة الإنسان وبالموارد البيولوجية والمنظومات البيئية.
ويرجع الخبراء تضرر بعض الشواطئ التونسية بشكل واضح إلى موقع تونس في البحر الأبيض المتوسط شبه المغلق وقليل العمق والذي لا يسمح بتجدد المياه لفترة طويلة مما يدعو للقلق تجاه ظاهرة تلوث الشواطئ والتعجيل باتخاذ الحلول الجادة في مواجهة الملوثات الصناعية و الكيميائية.