لقصص الصيادين في بحر غزة حكايات كثيرة، لكن أعمقها في التجربة تلك التي ما تَزالُ تسكنُ في روح صاحبها وتدفعه للموهبة والإبداع بعد أن شاخ به العمر وترك ركوب البحر.

يمضي السبعيني توفيق صوب ميناء غزة الذي عاش فيه بحاراً وصياداً ومنقذاً طوال ستين عاماً.. ولما كبر به العمر ترك ركوب البحر لكن البحر لم يتركه، فحين استقر في عقله ووجدانه، لم تعد روحه تسكن إلا في دوام التأمل على الشاطئ .

يقول البحار توفيق الجوجو: "وأنا عمري 13 عاماً اعمل في البحر من أيام المصريين ونحن في البوابير كنا نشرف على التجارة البحرية، واستمريت في المهنة كصياد ومنقذ للغرقى في البحر".

ويضيف البحار الفلسطيني لـ"سكاي نيوز عربية" وهو على شاطئ البحر، حيث اعتاد الجلوس، حنينا إلى ذكرياته مع زوارق الصيد: "أنا تركت المهنة فعلا من كبر سني، لكن حتى الآن لم أترك البحر".

أصبح البحر بالنسبة لتوفيق الذي ركب أمواجه وعشقها لأكثر من ستة عقود، مصدر إلهام وإبداع يستحضر به الماضي ويستثمر به الوقت.

فهنا يجمع حوله أحفاده ليصنع من الفلين مجسمات فنية متنوعة لقوارب الصيادين، وعبر دمى الأطفال المثبته عليها شبه الصيادين بجنود البحر.

يوضح توفيق: "هذه المجسمات تسليني واستثمر به الوقت، فبدلاً من الفراغ أجلس وأعطي تركيزي وإهتمامي للسفينة التي أريد صناعتها، يكفي أن أتأمل في قدرتي رغم كبر سني ونعمة أني ما زلت أمتلك يدين وعينيين وعقل".

أخبار ذات صلة

الجميز.. شجرة معمرة ومثمرة ترتبط بحياة الفلسطينيين وتاريخهم
مزارعو غزة يحصدون موسم القمح والشعير بمعدلات متوسطة الإنتاج

يقول حفيد البحار توفيق، قصي الجوجو: "تجربة جدي أثرت في كثيراً، لدرجة أنني تعلمت منه حب البحر وصناعة مجسمات السفن عبر مرافقته و النظر إليه".

حين غزت استراحات البحر شواطئ غزة، استقر الحالُ بتوفيق حارساً على إحداها في هذا المكان قيد الإنشاء، وفي وقت فراغه يعاود الانهماك في صناعة مجسمات القوارب جاذباً إليه كل من يشهد على حبه لبحر غزة.

سمير الفصيح وهو صياد فلسطيني يقول متعجباً "كم يحب البحر!! كبيرا كان البحر أم صغيراً يبقى إلى جواره، الآن تركب أبو محمد البحر فلجأ إلى تنمية هوايته في صناعة اللنشات والحسكات رغم أنه يعمل حارساً لكن حبه للبحر ملك قلبه وحنينه من الداخل".

مجسماتٌ يستعد توفيق ليشارك بها في معرض للفن التشكيلي بغزة في محاولةٍ أشبهَ ما تكون بإعادةِ إحياءِ ماضيهِ بطريقةٍ فنية.

قيل أن "من يركب البحر لا يخشى من الغرقِ"، لكن صاحب هذه القصة ركب قوارب ماضية مع البحر، فاستطاب أن يغرق في الحنين.