لم يتوقف الجدل في مصر حول فيلم الملكة كليوباترا الذي أعلنت منصة نتفليكس عن عرضة في 10 مايو المقبل، ويظهر المصريين القدماء أصحاب بشرة سمراء، فيما وصل الأمر إلى ساحات القضاء.
والفيلم تجسد فيه الممثلة البريطانية ذات البشرة السمراء، أديل جيمس، شخصية الملكة الفرعونية كليوباترا التي حكمت مصر بين عامي 51 و30 قبل الميلاد.
وتلقت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري دعوى قضائية، الأربعاء، من المحامي عمرو عبد السلام، يطالب فيها بإلزام السلطات المصرية بالتدخل لوقف بث منصة نتفليكس للفيلم المذكور.
وتضمنت الدعوى القضائية:
- مطالبة القضاء بإلزام كل الجهات المعنية في مصر باتخاذ كل الإجراءات الدبلوماسية والتواصل مع المنظمات الدولية المعنية، واتخاذ إجراءات التقاضي الإقليمي والدولي أمام جهات القضاء الأميركية لوقف بث واذاعة الفيلم الوثائقي كليوباترا من العرض على منصة نتفيلكس.
- مطالبة المنصة وصناع الفيلم بدفع التعويضات المالية للحكومة والشعب المصري نتيجة الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بهم من هذا الفيلم.
- أن السلطات المصرية ملزمة بموجب المادة 50 من الدستور بالحفاظ على التراث الحضاري بشتى الصور والطرق الممكنة والتي من بينها الطرق الدبلوماسية ومخاطبة المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على التراث الحضاري واتخاذ إجراءات التقاضي الدولي والإقليمي لوقف هذا الاعتداء وتعقب فاعليه باعتبار أن هذا التراث هو ثروة قومية وإنسانية يجب الحفاظ عليه.
- الفيلم يحتوي على مغالطات تاريخية فادحة ويشكل اعتداء صارخاً على تراث مصر الحضاري والثقافي وينطوي على تزييف للحقائق الثابتة وتزوير للتاريخ المصري.
اعتبرت الدعوى أن "الفيلم يشكل غزوا ثقافيا وإعلاميا خارجيا على التراث الثقافي والحضاري المصري تشنه الدول الاستعمارية باعتباره إحدى قواها الناعمة في تحقيق نفوذها وأهدافها في سرقة التراث الثقافي والحضاري، من أجل طمث الهوية وتزييف التاريخ ونسبته إلى شعوب مجهلة لم يكن لها أي وجود عندما قامت الحضارة الفرعونية القديمة منذ آلاف السنين".
وسبق هذه الدعوى القضائية أن تقدمت عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، هناء أنيس رزق الله، بطلب إحاطة لوزراء الخارجية، والثقافة، والسياحة والآثار بشأن ما وصفته بمحاولات تزييف وتزوير الحقائق التاريخية عن الحضارة المصرية، فيما يتعلق بفيلم كليوباترا على منصة نتفليكس.
كما هناك حملات إلكترونية دشنها المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي لرفض الفيلم والمطالبة بمنع عرضه، حيث يرى المنتقدون أن الفيلم يزيف التاريخ المصري القديم بالاستعانة بممثلة ذات بشرة سمراء لتجسيد شخصية الملكة كليوباترا، وأن هذا التزييف يأتي ضمن ما تردده جماعة المركزية الإفريقية، حول نسب الحضارة الفرعونية إلى الأفارقة السود.
من جانبه قال عالم الآثار المصري الشهير زاهي حواس، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن مسألة تدخل السلطات المصرية لمنع هذا الفيلم غير ممكن في هذه الحالة لأن المنصة وصانعي الفيلم قالوا مؤخرا إنه ليس عمل تاريخيا ولا وثائقيا بقدر ما هو عمل درامي يعتمد على الخيال.
حواس الذي شغل منصب وزير الآثار بمصر سابقا، قال أيضا:
- رغم رفضي للتزييف الموجود في الفيلم إلا أنني لا أؤيد منعه، لأنني أرفض منع أي عمل فني مهما تضمن من أخطاء.
- إذا تدخلت مصر وطالبت السلطات الأميركية بالتحرك لمنع عرض الفيلم، سيكون الرد هو أن حرية الفن والرأي لا يمكن المساس بها.
- أنا مع حرية الرأي والتعبير، والأعمال الفنية يكون الرد عليها بأعمال فنية أخرى تكشف الحقائق.
- كذلك يتم الرد على مثل تلك الأمور بكشف الحقائق أمام الرأي العام المصري والعالمي، وحسنا فعلت وزارة السياحة والآثار بالبيان الذي أصدرته في هذا الصدد.
- أؤكد تماما أن كل الشواهد التاريخية تؤكد أن كليوباترا كانت ذات بشرة بيضاء ولم تكن سمراء أبدا، وهذا ليس له علاقة بالعنصرية فكل أصحاب البشرة السمراء لهم كل الاحترام، ولكن الأمر له علاقة بالحقائق التاريخية ورغبتنا في عدم تزييفها.
ماذا قالت وزارة الآثار؟
في وقت سابق أصدرت وزارة السياحة والآثار المصرية بيانا بشأن الفيلم قالت فيه: إن ظهور البطلة بهذه الهيئة يعد تزييفا للتاريخ المصري ومغالطة تاريخية صارخة، لاسيما أن الفيلم مصنف كفيلم وثائقي وليس عملا دراميا.
- يتعين على القائمين على صناعة الفيلم ضرورة تحري الدقة والاستناد إلى الحقائق التاريخية والعلمية، بما يضمن عدم تزييف تاريخ وحضارات الشعوب.
- كان يجب الرجوع إلى متخصصي علم الآثار والأنثروبولوجيا عند صناعة مثل هذه النوعية من الأفلام الوثائقية والتاريخية، التي ستظل شاهدة على حضارات وتاريخ الأمم.
- هناك العديد من الآثار الخاصة بالملكة كليوباترا، تظهر ملامحها الحقيقية من حيث البشرة فاتحة اللون والأنف المسحوب والشفاه الرقيقة.
- حالة الرفض التي شهدها الفيلم قبل عرضه تأتي من منطلق الدفاع عن تاريخ الملكة كليوباترا السابعة، الذي هو جزء مهم وأصيل من تاريخ مصر القديم، وبعيدا عن أي عنصرية عرقية.
ولم تشر الوزارة إلى أي تحرك قانوني لوقف الفيلم، فيما قال المحامي بمحكمة النقض المصرية، محمد إصلاح، لموقع "سكاي نيوز عربية" إنه من الناحية النظرية فمصر صاحبة حق ولها أن تطالب بمنع عرض أي عمل يتناول شخصية تاريخية مصرية بموجب حقوق الملكية الفكرية دون إذن منها، ولكن عمليا فالمسألة صعبة جدا.
وتابع أن مصر تحتاج أن تقيم دعاوى قضائية في كل دولة من الدول التي تسمح بمنصة نتفليكس فيها للمطالبة بمنع هذا الفيلم، ومن ثم فالأمر سيستغرق وقتا وجهدا ومن الوارد أن لا تصدر الأحكام إلا بعد عرض الفيلم أصلا، وكذلك قد لا يتم تنفيذ تلك الأحكام.
نتفليكس تتدخل
- أمام كل هذه الانتقادات قامت منصة نتفليكس بتعديل تصنيف الفيلم من وثائقي فقط إلى وثائقي درامي، لكي تضع لصانعيه مساحة حرة من استخدام الخيال دون الالتزام بالتاريخ.
- بطلة الفيلم الممثلة البريطانية أديل جيمس، تواصل نشر صور من كواليس تصوير الفيلم عبر حساباتها على مواقع التواصل، وغردت عبر تويتر في وقت سابق مطالبة من لا يعجبه فريق تمثيل الفيلم بعدم متابعته.
- وكان لافتا أن قائمة أفلام شهر مايو التي أعلنتها نتفليكس عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك لا تتضمن فيلم كليوباترا التي أعلنت من قبل أن موعد عرضه 10 مايو الجاري، ولم تعلن في الوقت نفسه أنها تراجعت عن عرضه.