تشتد المنافسة الدرامية في مصر خلال الموسم الرمضاني كل عام، ولكنها لا تقتصر على المسلسلات التليفزيونية فقط، التي تنقلها القنوات الفضائية ومنصات الإنترنت، فهناك دائماً مساحة مخصصة للدراما الإذاعية، يتم بثها عبر محطات الراديو، ويقدمها مجموعة كبيرة من نجوم الصف الأول في عالم الفن.
ويشهد موسم رمضان 2023 انتعاشة لافتة في تقديم المسلسلات الإذاعية عبر الراديو، أبرزهم مسلسل "أحلام شهرزاد"، الذي يقدم بطولته الفنان الكبير يحيى الفخراني، ويُذاع يومياً عبر محطة الراديو 9090، وينافسه مسلسل "مطلوب عريس" من بطولة الفنان أحمد حلمي، والذي يُذاع عبر قنوات الإذاعة الخاصة بـ "راديو النيل"، فضلاً عن الأعمال الأخرى مثل "صلاح التلميذ" للفنان أكرم حسني، و"رأس رجاء وصالح" للفنان حسن الرداد، والفنانة إيمي سمير غانم.
مصدر إلهام
يقول الناقد الفني عماد يسري، إنّ الدراما الإذاعية في مصر لديها جمهور عريض للغاية؛ لأن المحطات الإذاعية تحاول دوماً جذب المستمعين إليها، من خلال تقديم مسلسلات إذاعية من بطولة نجوم الصف الأول، الذين يُفضلهم الجمهور في الموسم الرمضاني بشكل خاص، فقد افتقدت الشاشة التليفزيونية هذا العام تواجد الفنان الكبير يحيى الفخراني، لكن الإذاعة كان لها حظاً وفيراً في تقديمه للمسلسل الإذاعي "أحلام شهرزاد".
ويتابع يسري حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، موضحاً أنّ: "هناك العديد من الفنانين الذي تركوا الشاشة التليفزيونية هذا العام، وتوجهوا إلى جمهور الدراما الإذاعية، مثل الفنان أحمد حلمي، والفنانة إيمي سمير غانم، والفنان حسن الرداد، الأمر الذي يدل على مكانة الدراما الإذاعية لدى المستمع المصري والعربي".
ويشير الناقد الفني، إلى أنّ ثمة الكثير من المسلسلات الإذاعية التي تحولت إلى دراما تليفزيونية، فقد شهد الموسم الرمضاني السابق عرض مسلسل "راجعين يا هوى"، من قصة الكتاب الراحل أسامة أنور عكاشة، والذي تم بثه في البداية كمسلسل إذاعي فقط، وشهد حينها رواجاً ملحوظاً بين الجمهور، ليتحول في العام الماضي إلى مسلسل تليفزيوني من بطولة الفنان "خالد النبوي".
معايير قياسية
من جانبه، يوضح الشاعر والكاتب سعد القليعي، الذي يملك خبرة كبيرة في الكتابة الإذاعية، (أنتج أكثر من 54 عملاً)، أنّ الدراما الإذاعية لها من الخصائص ما لا يتوافر في أي دراما أخرى، فالنص حين يٌكتب للإذاعة، يكون لديه مخرجين بعدد مستمعيه، ما يعني أن كل مستمع لديه القدرة على تخيل ملابس الممثلين والديكورات.
ويستكمل القليعي حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية": "مهما امتلكت الدراما الأخرى من تليفزيون وسينما ومسرح لقدرات تميزها من حيث الرؤية البصرية، فهي محدودة للغاية بخيال المخرج ومنفذي العمل؛ لأنهم يوفرون الديكورات والملابس حسب تصورهم، ويحكموا المشاهدين بهذا التصور.
ويضيف: "كان للإذاعة المصرية وقطاع الإنتاج وصوت القاهرة، وكافة القطاعات الحكومية، مقاييس ومعايير محكومة عالمياً من أجل تنفيذ العمل الإذاعي، كما كان لها لجان يُقدم إليها النص الإذاعي قبل إنتاجه، وبناءً على مراجعته، يتم الموافقة عليه بتقديرات مختلفة، فقد وضع هذه الشروط مجموعة كبيرة من كتاب ونقاد ورواد الفن الإذاعي".
وينوّه إلى أنّ هناك شروط محددة لعدد الأشخاص في الحلقة الإذاعية، حيث لا يجب أن يتجاوز الـ 8 أفراد؛ لأن أكثر من ذلك العديد يصعِّب على الأذن البشرية استقباله بسهولة، فهي لا تستطيع أن تميز بين 8 أفراد في الحلقة التي تتراوح مدتها من 10 لـ 12 دقيقة بالفواصل الإعلانية، ومن الصعب أيضاً تسمية شخصيتين في العمل الإذاعي بتقارب شديد مثل (حسين وحسن)، حتى يستطيع المستمع تمييز أسامي الشخصيات جيداً.
منافسة شرسة
يعود الناقد الفني عماد يسري ليوضح أنّ المنافسة حالياً أصبحت شاقة للغاية، خاصة في عصر الفضائيات المفتوحة، وأيضاً الذكاء الاصطناعي، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت بشكل ما على انتشار الدراما الإذاعية، ففي الماضي كان ينتظر الجمهور موعد إذاعة المسلسلات عبر الراديو في وقت معين، حتى اختلف الوضع تماماّ، وأصبح من السهل متابعة الدراما الإذاعية في أي وقت عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
ويضيف: "البودكاست أصبح منافساً قوياً للدراما الإذاعية في الآونة الأخيرة، وذلك بالإضافة إلى إذاعات مواقع التواصل الاجتماعي التي ليست لها علاقة بمحطات الراديو، لذا يجب على منتجي الدراما الإذاعية أن يطوروا من الأداء والأفكار في الوقت الحالي، ومن الضروري أيضاً الاهتمام بقوة التسويق للمسلسلات الإذاعية، مثل تصوير فيديوهات لكواليس التسجيل، وتروجيها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
مهمة ثقيلة
يستطرد الكاتب سعد القليعي، حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية"، مؤكداً أنّ الدراما الإذاعية تترك الفرصة لخيال المتلقي أو المستمع للمساهمة في هذا الإنتاج، ولكن ثمة أخطاء يقع فيها منتجو الإذاعة، وأبرزها عدم تواجد اللجان من الكتاب الكبار والنقاد الفنيين، لمراجعة الأعمال قبل إذاعتها، كما كان الوضع في السابق داخل الإذاعة المصرية، حين كانت تشمل لجنة القراءة مجموعة قوية من الكتاب والنقاد، مثل محفوظ عبد الرحمن، والدكتور رفيق الصبان، وعلي أبو شادي، فاللجنة الواحدة كان يشترك فيها 10 أشخاص من الأسماء الكبيرة في عالم الدراما.
وفي ختام الحديث، وجه القليعي نصيحته لكتاب الدراما الإذاعية الذين يريدون أن يكتبوا أدباً حقيقياً يمس الإنسان، إذ يحثهم في البداية على ضرورة توافر وجهة نظر لديهم وموقف تجاه الحياة، وأيضاً امتلاكهم رسالة محددة يريدون توصيلها للجمهور، بجانب عدم التأثر بحذف المشاهد غير الضرورية، فالكتابة الجيدة هي معادل للحذف الجيد، والأهم من كُل ذلك هو القراءة الجيدة في كل شيء (الاقتصاد – التاريخ – العلوم الإنسانية – العلوم البحتة)، فالمبدع ينبغي أن يكون مؤرخاً ومحللاً نفسياً واجتماعياً، حتى يستطيع كاتب الدراما الإذاعية أن يسيطر على أبعاد العمل التاريخية والنفسية والاقتصادية.