بحلول الربيع، يفوح عطر النارنج في مدن "الوطن القبلي" شمال شرقي تونس المشهورة ببساتين البرتقال والنارنج، حيث يبدأ بموسم تقطير الأزهار لتنبعث روائحها الفواحة من بيوت محافظة نابل التي تزدان أرففها بقوارير ماء زهرة النارنج الذي تخدمه ربات المنازل لمنح نكهة مميزة لأصناف من الحلويات والمشروبات.

تبدأ قصة تحويل زهور النارنج إلى ماء عطر وبفوائد صحية مع موسم جني الزهور البيضاء في شهر أبريل حيث يتم قطفها بعناية فائقة في ساعات الصباح الأولى، ثم تقطيرها بوسائل تقليدية.

كيف يتم تقطير زهور النارنج؟

يعد تقطير الزهور هو من أشهر الحرف التقليدية في المنطقة التي تنتعش بشكل موسمي موفرة مورد رزق للكثير من العائلات، وحركة تجارية في مناطق نابل وبني خيار والحمامات ودار شعبان، وقد يحالف الحظ بعض منتجي زهور النارنج باستخلاص زيتها الخالص المعروف باسم "النيرولي"، وتصديره إلى الدول الأوروبية حيث يتحول إلى مادة خام لأفخم العطور الباريسية.

أخبار ذات صلة

لصناعة العطور.. منافسة عالمية على "الذهب الأبيض" في تونس

 وتحدثنا السيدة عزيزة عبيد المختصة في تقطير زهور النارنج بطريقة تقليدية منّذ سنوات قائلة:

  • يهل "موسم الزهر في منتصف فصل الربيع حين يكتمل نمو زهور النارنج البيضاء، فالبراعم الصغيرة لا تنتج عطرا جيدا عكس الزهور المتفتحة".
    تعلمت الحرفة من والدي كنا نقتني الزهور من الفلاحي، ونقطرها عن طريق البخار بطريقة تقليدية لاستخراج ماءها.
  • قضيت في هذه الحرفة 38 سنة وعلمتها لبناتي، إنها عمل موسمي مكلف ودقيق وقد تعودت طيلة السنوات أن أقطر نباتات مختلفة حسب المواسم الفلاحية ومنها النارنج والاكليل والورد البلدي والنعناع وغيرها من النباتات الطبيعية، ولكن كل نبتة تتطلب تقنيات مختلفة وعناية خاصة ومن خصوصيات تقطير زهور النارنج وضعها على نار خفيفة مع كميات قليلة من الماء، حيث يتطلب إعداد لتر من ماء الزهر كيلوغرامين من زهور النارنج وأسرار أخرى لا نبوح بها ونتوارثها أبا عن جد".
    نجحت السيدة عزيزة أيضا في تحويل ماء الزهر إلى صابون طبيعي ومواد تجميل بيولوجية.
  • يتواصل معي بعض المستخدمين من خارج تونس لاقتناء حاجتهم السنوية من الزهور المقطرة لاستعمالها في المأكولات و في القهوة و للعلاج فالزهر هو عطر تونس المميز".
النارنج شجرة معمرة تنتج ثمرا شبيها بالبرتقال وزهور بيضاء

أصل النارنج

رانية منصور المختصة في تثمين الموروث الغذائي لمدينة نابل:

  • زهرة النارنج قدمت إلى تونس من الأندلس، ووجدت مزارعها قرب البحر شمال شرقي تونس مقاما طيبا حتى أثمرت زهورا بجودة عالية وعالمية يتنافس في الحصول عليها مصنعي العطور عبر العالم، وساهمت في توفير مورد رزق لأكثر من 3500 عائلة في المنطقة.
  • استخراج ماء زهر فواح "يتطلب الحفاظ على الطريقة التقليدية في التقطير باستعمال أوان من النحاس والفخار ومواد أولية طبيعية ".
  • نستعمل ماء الزهر في كل الأطباق وخاصة أطباق المناسبات السعيدة مثل طبق كسكسي باللحم وأطباق السمك والحلويات، إنه يمثل رائحة الفرحة بالنسبة لعائلتنا.
أكبر شركات العطور تتنافس على زيوت "النارنج"

 حرفة تقطير الزهر

  • تعد حرفة تقطير الزهر الأكثر شهرة في مدن الشمال الشرقي حيث يحافظ على تمريرها الرجال والنساء الذين يعيشون من بيع الماء العطر الذي يبلغ سعر اللتر منه 20 دينار أي ما يعادل 7 دولارات.
  • تدر هذه الحرفة مداخيل هامة على آلاف العائلات التونسية في المنطقة، وتنتعش مداخيلهم سنويا في موسم الربيع بحلول ماء "الزهر" الذي تنسب تسميته في اللهجة المحلية للإشارة إلى الحظ والتفاؤل.
  • يقول الفلاح محمد عون إن موسم ربيع 2023 يبشر بكل خير وأن عددا من كبار الفلاحين بعد أزمة كورونا بدأ يتعاون مع المصانع لتحويل الزهر إلى زيوت وماء مقطر موجهة للتصدير بعد أن تمت المحافظة على زهور بيولوجية خالية من المواد الكيميائية.
  • يذكر أن مزارع محافظة نابل تضم 150 ألف شجرة نارنج، تمتد على 480 هكتارًا و تنتج زهورا بيضاء رقيقة تصلح في استخراج ماء الزهر أو زيته المعروف باسم " النيرولي" و الموجه كليا للتصدير بما يعادل 700 كغ سنويا لفائدة مصنعي العطور الفرنسية .