وثق أحد المتاحف الباريسية الفريدة عنصرا غير مرئيا، فائقِ التأثير في حياتنا، هو الصوت .

وقالت شارلوت لارسن الباحثة في تاريخ الموسيقى: "المخترع توماس أديسون فكر أن الصوت عبارة عن ذبذبات نسمعها عبر الأذن، فاخترع هذا الكوز لتكبير الصوت حيث يجب الاقتراب منه والكلام بصوت عال، فتحرك ذبذبات الصوت إبرة، لترسم خطوطا على أسطوانة شمعية هشة، تم لاحقا اخترع جهاز للاستماع للصوت عبر هذه السماعات التي تعود إلى عام 1889.

والموسيقى لم تكن متاحة إلا للطبقة الثرية، وقد دخل الفونوغراف البيوت قبل الكهرباء إذ كان يعتمد على توليد الطاقة عبر ذراع يدوي صغيرة.

وقال جلال أرو، مدير متحف الصوت: "كان الإنسان يبحث عن الخلود ومن هنا فكر بتسجيل صوته، بداية عبر رسم ذبذبات على ورقة ولاحقا بحفرها على أسطوانة، رفض الفنانون بداية التسجيل فمن المعروف أن الصوت المسجل مختلف عما تلتقطه أذننا لصوتنا .

وحافظت أسطوانة الصوت على اسمها رغم أن شكلها لم يعد أسطوانيا، وباتت دائرية مسطحة .

وفي هذا الإطار، قالت شارلوت: "تغيرت مواد صنع الأسطوانة بحسب الشركات، وصار لكل مادة إبرة خاصة للقراءة، كان ينصح بتبديل الإبرة في كل مرة للمحافظة على جودة الأسطوانة، لم يكن يمكن خفض صوت الجهاز، إلا عبر وضع قطعة قماشية عليه أو تغيير اتجاه بوق الاستماع ، لمضاعفة الصوت، في الحفلات مثلا، كانت تتم إضافة بوق ثان على الآلة ".

اختفت هذه الأبواق مع اختراع الأخوين لوميير لهذا القرص ، فالصوت يصل إلى مركزه ثم يتوزع إلى الأطراف بالاعتماد على نسيج خاص.

في السبعينيات أصبح الاستماع للموسيقى طقسا في الفضاء العام خاصة في المقاهي.

وانتشرت في المقاهي آلات كهذه توضع فيها قطعة نقود معدنية لاختيار الاستماع الى أسطوانة محددة او اختيار أغنية نحبها أو نرغب في إهدائها لشخص عزيز يرافقنا.

يوثق المتحف تطور آلات تسجيل الصوت من الغراموفون مرورا بالآلات التي تعمل بالكهرباء ثم البطاريات مثل مسجلات الكاسيت الصغيرة المحمولة وصولا إلى مسجلات الصوت الرقمية.

أخبار ذات صلة

بالصور.. متحف يعرض لحما صنع من ماموث منقرض في مختبر
إلى جوار مارادونا وبيليه.. تمثال لميسي في متحف "الكونميبول"

إضافة الى مقتنياته من آلات تسجيل الصوت، القديم منها والحديث فإن المتحف يحفظ أيضا آلاف الأسطوانات والمخطوطات التي تعتبر تراثا إنسانيا .

لاحظ القائمون على الأرشيف في المتحف أن الأسطوانات الأولى كانت تحمل اسم عنوان الأغنية وتتجاهل اسم المغني أو العازفين، لكن بدءا من الستينيات أصبح اسم المغني وشكله عنصرا تسويقيا مهما.

بينما كان السائد قبلها أن تعجب بالصوت وأنت لا تعرف حتى شكل صاحبه، مع ظهور التسجيل الرقمي للصوت بات من السهل الوصول إلى أي عنوان بكبسة زر.

موسيقى موزارت

لكن مادة الحفظ الملموسة كالكاسيت اختفت لصالح التخزين على سحابات إلكترونية.

غير أن العالم الرقمي أفسح المجال أيضا لمعالجة الصوت لدرجة يصفها خبراء الصوت بالتلاعب الذي يفقد الصوت أصالته التي نشعر بها في حفلات الغناء المباشر.

وقال مغني الأوبرا لوك لاتزا: "عندما تعيد المكننة إنتاج الصوت، فإنها تغطي على الجانب البشري فيه، وهذا مخيف، أنا مغني أوبرا وأقيم حفلات في هذا المتحف، أعشق الغناء بحضور الجمهور فعبره يمكن تشارك المشاعر، فيمكنني ذلك من التأثير في شخص معين والتأثر به وبمدى تفاعله مع فني، أما الأصوات المعدلة فتذكرني بمرشّحات الصور على انستغرام.

فيما قال بيير فرانسوا لاميرو، وهو عازف تشيلو: "من خصائص العزف والغناء المباشر أمام الجمهور أن تلقيه يتغير بحسب عظام الجسم وجدران المكان، وتموضع الجمهور، وهذا ما يجعل النتيجة وكأنها ثلاثية الأبعاد بدل أن تكون ثنائية الأبعاد".

في عالم سريع الإيقاع، يتيح لك هذا المتحف التأمل قليلا في رحلة الصوت التي تبدأ مع الانسان جنينا يسمع صوت أمه، تأمل يذكرنا بأهمية أن ننصت، فالأذن مفتاح الروح وهي تعشق قبل العين أحيانا.