شهدت الأشهر القليلة الماضية نشاطا كبيرا في مجال إنتاج الأعمال الدرامية الرمضانية، مما أدى إلى كسر حالة الجمود والخوف التي لازمت القطاع لسنوات طويلة.
ومع دخول اليوم الأول من شهر رمضان بدأت القنوات الفضائية السودانية في تقديم مجموعة من المسلسلات والأعمال الدرامية التي يطرح ويناقش بعضها قضايا جدلية كبيرة يعيشها المجتمع السوداني حاليا.
وظل قطاع الدراما في السودان يعاني لسنوات من قيود كبيرة أدت إلى تراجعه خلال العقود الثلاثة الماضية، مقارنة بما كان عليه في ثمانينات القرن الماضي الذي شهد إنتاج عدد من الأعمال الكبيرة التي ظلت خالدة في أذهان السودانيين.
ويعزي عدد من المختصين السبب في حالة الحراك الحالية، إلى كسر المنتجين حاجز الخوف، وذلك بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل "سكة ضياع" المثير للجدل، والذي عرض في الموسم الرمضاني الماضي؛ والذي ناقش قضايا مسكوت عنها في المجتمع السوداني مثل المخدرات والزواج العرفي والأطفال مجهولي النسب.
فاتحة شهية
تقدم القنوات السودانية خلال شهر رمضان الحالي نحو 10 أعمال درامية؛ من بينها مسلسل؛ "دروب العودة" و"قشر موز" و "أولاد إبراهيم" و"الستات" وغيرها من المسلسلات الدرامية.
ويلحظ متابعين للشأن الدرامي في السودان وجود حالة أشبه بحالة (فتح الشهية) بين المنتجين بسبب النجاح الذي حققه مسلسل سكة ضياع في العام الماضي.
وطوال السنوات الماضية، ظلت الدراما السودانية تواجه تحديات ومشاكل عديدة من بينها عدم إيمان الدولة بها كوسيلة علاج ناجع لاختلالات المجتمع من خلال مناقشة قضاياه، مما أدى إلى حالة من الركود الطويل، إلا من محاولات فردية هنا وهناك ومسلسلات درامية قصيرة تطرح في قالب كوميدي.
أداة تغيير
يرى الناقد والباحث الفني الزبير سعيد أن أهم المعوقات التي ظلت تحيط بالدراما في السودان منذ سنوات طويلة، إهمال الحكومات والأنظمة المختلفة لها، وعدم الإيمان بدورها.
وقال سعيد لموقع سكاي نيوز عربية إن هناك الكثير من القضايا في المجتمع التي تسهم الدراما في حلها، يتوجب على الدولة ضرورة تقديم الدعم لها. ورأى سعيد أن التنافس الحالي إلى محاولة اغتنام فرص المشاهدة العالية التي يوفرها الموسم الرمضاني.
تدمير ممنهج
في الجانب الآخر، ترى وزارة الثقافة الاتحادية في السودان أن ما يعانيه قطاع الدراما من مشاكل هو نتاج سياسات ممنهجة اتبعت لتدمير هذا القطاع.
ويقول عبد الله حسب الرسول مدير الإدارة العامة للفنون المسرحية بالوزارة لموقع سكاي نيوز عربية إن العقود الثلاثة الماضية شهدت إهمالا حكوميا متعمدا، حيث اقتصر الدعم والتمويل على أشخاص أعينهم، أو أعمال درامية موجهة، كما كانت الجهات المختصة تضع شروطا تعجيزية أمام المنتجين.
منصات بديلة
يواجه قطاع الدراما في السودان تحديات عديدة من بينها الخوف من الخسائر المادية في ظل تراجع الرعايات والإعلانات بسبب الظروف الاقتصادية الحالية.
وفي ظل إحجام معظم القنوات التلفزيونية القليلة العاملة في البلاد عن تمويل إنتاج الأعمال الدرامية، فقد لجأ العديد من المنتجين إلى مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت.
لكن في الجانب الآخر يبدي بعض رجال الأعمال رغبة في تمويل الأعمال الدرامية وذلك لأسباب ودوافع مختلفة. ويقول رجل الأعمال جلال حامد لموقع سكاي نيوز عربية إنه لم يتوقف عن تمويل الأعمال الدرامية رغم إدراكه ضعف العائد المادي؛ لكنه ينظر إلى الفوائد الأخرى التي يمكن ان تحققها الأعمال الدرامية.
تحدي الإقناع
وإضافة إلى عقبة التمويل، تواجه الدراما السودانية تحد إقناع المتلقي بأدوار ومضامين الأعمال الدرامية السودانية في ظل المنافسة الناجمة عن الأعمال الدرامية العربية التي تتوفر لها بيئة إنتاج أفضل.
وينظر قطاع واسع من الجمهور بشيء من عدم القناعة بالممثل السوداني والعمل الدرامي الذي يؤديه. وفي هذا الإطار يقول الصحفي والناقد الفني محمد إبراهيم الحاج لموقع سكاي نيوز عربية إن انتشار البث الرقمي ساهم في ظهور شركات صغيرة تنتج أعمال كوميدية خالية من المضامين وتهدف فقط للإضحاك.
وأوضح "ظل جمهور الدراما السودانية يمنى النفس لفترة طويلة بمشاهدة أعمال تلامس قضايا الواقع وتعالجها بشكل فني رصيني، لكن لفترة طويلة غابت عن الساحة الفتية مثل تلك الأعمال إلى أن جاء في العام الماضي مسلسل سكة ضياع الذي وجد، رغم الإخفاق الفني المصاحب له، قدرا كبيرا من القبول الجماهيري مما شجع منتجين آخرين على خوض غمار الإنتاج".