في أنحاء العاصمة السودانية الخرطوم وعلى مدار الأسبوع، يتجول صغار التجار عارضين بضاعتهم من مواد تموينية وخضروات على السكان بأسعار مخفضة نسبيا، في حراك يُعرف محليا بأسواق "أم دورور".

مع تراجع الوضع الاقتصادي في البلاد، وجدت أسواق "أم دورور" طريقا معبدا لغزو الخرطوم، وتمكنت من جذب فئات مقدرة من سكان العاصمة نتيجة لتقديمها سلة غذائية بأسعار تقل عن الأسواق العادية بنحو 20 في المئة، وفق جولة لمراسل موقع "اسكاي نيوز عربية".

ماذا نعرف عن أسواق "أم دورور"؟

  • هذا النوع من الأسواق هو في الأصل تجربة عريقة ارتبطت بالريف السوداني دون غيره منذ زمن بعيد، وتقوم فكرته على طواف التجار على القرى ببضاعتهم مستخدمين وسائل نقل بدائية، فيما يتجمع السكان من المناطق المجاورة لاقتناء احتياجاتهم ويشكلون زخماً كبيراً في التسوق والمؤانسة أيضاً.
  • لم تنتشر هذه الأسواق في المناطق الطرفية بالخرطوم والتي يسكنها محدودي الدخل فحسب، بل امتدت بأنماطها التقليدية لتصل أحياء الأثرياء مثل (الخرطوم 2) و(بري) و(اركويت) وغيرها، وترتادها جموع كبيرة من الزبائن، الذين يضيق بهم المكان وهم يهمون بشراء السلع المختلفة.
  • سوق "أم دورور"، الذي يقام يومي الأحد والأربعاء من كل أسبوع في ضاحية (الخرطوم 2) قبالة حديقة القرشي على بعد 3 كيلو مترات جنوب القصر الرئاسي، يمثل فرصة كبيرة لزهراء محمد، لشراء كافة احتياجاتها من الخضر والفواكه وزيوت الطعام والصوابين وغيرها من المستلزمات بما يكفيها لعدد من الأيام القادمة وبأسعار معقولة مقارنة بالأسواق العادية.
يسعى التجار لتقديم منتجات بأسعار مخفضة

وفي هذا الصدد، تقول زهراء وهي موظفة حكومية لموقع "سكاي نيوز عربية":

  • هناك فرق كبير في السعر لذلك أسعى للحصول على مستلزماتي بما يكفي لأسبوع كامل.
  • هذا الأمر يوفر علي مبالغ معتبرة للاستفادة منها في بنود صرف أخرى من تعليم وصحة وخلافه.
  • أنا مستعدة للذهاب إلى أي مكان تسوق به هامش في الأسعار ولو بشكل نسبي حتى أتمكن من التغلب على تداعيات التدهور الاقتصادي.

وأدى التراجع المستمر في قيمة العملة الوطنية "الجنيه" مقابل النقد الحر إلى تصاعد مضطرد في أسعار السلع والخدمات، وهي تجليات لواقع اقتصادي قاس يعيشه السودان منذ سنوات وبلغ ذروة تفاقمه في العام 2021م.

ورغم رحلة انخفاض التضخم التي بدأت في منتصف عام 2022م عندما كان فوق 300 في المئة، حتى وصل إلى 83 في المئة خلال شهر يناير الماضي، وفق حصيلة الجهاز المركزي للإحصاء، لكن أسعار السلع ما تزال مرتفعة وذلك نتيجة لاستمرار تدهور قيمة العملة الوطنية، إذ يتجاوز سعر الدولار الأميركي 600 جنيه سوداني في تعاملات السوق الموازية.

منتوجات بأقل سعر ممكن 

  • يسعى التجار في "أسواق ام دورور" لإيقاد الشموع بتقديم منتجات غذائية ومستلزمات أسرية بأسعار مخفضة للغاية.
  • يمكن للزبائن الحصول على 3 كيلوغرامات من الطماطم بـ600 جنيه نحو (واحد دولار)، ودستة من البرتقال السوداني بألف جنيه حوالي 1.7 دولار، وهو سعر يقل عن السوق العادية بـ20 – 25% وتنطبق النسبة نفسها على بقية السلع مع فارق طفيف في بعض المستلزمات.

يقول الصادق فضل الله، أحد الباعة المتجولين في سوق أم دورور، لموقع "سكاي نيوز عربية":

  • أقدم السلع بأقل سعر ممكن بعد وضع أرباح طفيفة لمساعدة الناس وتخفيف معاناتهم مع الغلاء الطاحن، مما جعل الزبائن يلتفون بالمتجر المتحرك في أنحاء مختلفة من العاصمة الخرطوم.
  • الفلسفة التجارية تقوم على وضع هامش ربح محدود لتشجيع الزبائن لشراء أكبر كمية من المنتجات المعروضة، وهنا يكون قد حقق عائدا ماديا كبيرا وفي نفس الوقت تقديم سلع للمواطنين بأسعار معقولة تمكنهم من توفير مبالغ معتبرة.

أخبار ذات صلة

تعود للعصر الحجري.. مخاوف من ضياع آثار جزيرة صاي السودانية
السوداني صانع الروبوتات.. عبقري لفظته الجامعة واحتواه الرصيف
  • فارق السعر بيننا وبين السوق العادي يأتي من أن الباعة المتجولين يأتون بالسلع خاصة الخضر والفواكه من مناطق إنتاجها ونقلها بوسائل حركة بدائية وغير مكلفة مثل التوك توك والسيارات القديمة، إلى جانب عدم وجود نفقات إضافية كإيجار المحال التجارية والجبايات وغيرها.
  • أغلب مرتادي سوق "أم دورور" من النساء فهن اللاتي تسند إليهن مهمة التسوق خاصة السلة الغذائية وهو سلوك متعارف عليه عند أهل السودان، ولا يرتبط بالفقراء وحدهم كما يتبادر للكثيرين فحتى الأغنياء يتوقفون بمحلاتنا ويأخذون مستلزماتهم.

لماذا نجحت أسواق أم دورور؟

من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير لـ"سكاي نيوز عربية":

  • انتقال فكرة "أسواق أم دورور" من الريف إلى العاصمة الخرطوم يعتبر نتاجا طبيعيا للتدهو الاقتصادي وتراجع حركة البيع في السوق الرسمي، فالنشاط التجاري بات معقدا في السودان خلال الوقت الراهن.
  • هذا النوع من الأسواق يعد من الآليات والابتكارات الشعبية لتخفيف حدة الغلاء، واستطاع أن يجد حيزا واهتماما في العاصمة.
  • فكرة أسواق أم دورور جاءت لتتوافق مع الريف والمناطق مترامية الأطراف لأنها تحتاج إلى مساحات واسعة.
هذا النوع من الأسواق هو في الأصل مرتبط بالريف السوداني

ومع تمدد هذه الأسواق، برزت أصوات سودانية بالخرطوم مناهضة للفكرة واعتبرتها بمثابة تزييف للعاصمة وانتقاص من وجهها الحضاري.

وبين جدلية الحداثة والتخلف، تبقى أسواق "أم دورور" محطة مهمة لطيف واسع من السودانيين الباحثين عن هامش في الأسعار يخفف عليهم من وطأة الغلاء.