بعد أكثر من عقد على إغلاقه بهدف إعادة ترميمه وصيانته، أعيد فتح المعلم التاريخي "تربة البايات"، أحد أشهر المعالم في المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، والذي يشهد على حقبة هامة من تاريخ حكم البايات لتونس في القرن الثامن عشر وحتى أواسط القرن التاسع عشر.
وافتتحت رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، يوم الجمعة، من جديد معلم ''تربة الباديات"، وذلك بعد استكمال أشغال إعادة الترميم والصيانة، وانجاز مشروع للتهيئة على مدى أكثر من أربع سنوات، ليصبح متحفا تاريخيا ومزارا للعموم من السياح التونسيين والأجانب.
وقالت نجلاء بودن، على هامش إعادة فتح "تربة الباي"، "إن هذا المعلم يعد من أهم المقامات التاريخية التي تستوجب حسن استغلالها ثقافيا وسياحيا، وذلك بإدراجه ضمن المسلك السياحي لمدينة تونس العتيقة حتى يكون وجهة ثقافية وسياحية لضيوف تونس".
وخضع المعلم التاريخي لأعمال صيانة وترميم لفضائه الخارجي وأروقته الداخلية من قبل فريق من المهندسين المعماريين والأخصائيين من المعهد التونسي للتّراث، ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، وذلك بإنجاز إضاءة فنية وإبراز الخصائص المعمارية لهذا المعلم وأبعاده الحضارية والتاريخية، فضلا عن تركيب لوحات تفسيرية لمكونات المعلم حتى يتعرف زوار المتحف على مختلف جوانبه.
كما شملت أعمال الصيانة لوحات خاصة بتعريف تاريخ العائلة الحسينية، وهي الأسرة المالكة للدولة الحسينية التي أسسها حسين بن علي في سنة 1705، واستمرت على عرش الحكم في تونس حتى استقلال البلاد وإعلان الجمهورية في العام 1957.
شاهد على العصر
ويعد معلم "تربة البايات" من أشهر وأقدم المعالم التاريخية ذات المميزات المعمارية التي تزين المدينة العتيقة للعاصمة تونس، ففضلا عن موقعه الذي يتوسط قلب المدينة، فإنه يعد تحفة معمارية جعلت من فضاءاته وأروقته قبلة للزوار والمؤرخين بجانب كونه مقاما يروي تاريخ الدولة الحسينية.
وسمي المقام التاريخي "تربة الباي" لكون أضرحة الملوك والبايات في ذلك الوقت لم تكن تسمى مقبرة وإنما تربة، ويوجد في نهج يحمل الاسم نفسه، كما تضم ما يزيد عن 164 قبرا لأفراد الأسرة المالكة من بايات الدولة الحسينية التي حكمت تونس بين 1705 و1957، كما توجد به أضرحة 14 من أصل 19 من البايات الذي جلسوا على سدة الحكم.
وكان أول بايات الدولة الحسينية، "حسين باي بن علي" هو من بنى المعلم الذي عادة ما يكون متاخما لأحد الجوامع، وذلك في سنة 1711، عندما بنى تربته الأولى ولها ثلاث واجهات مطلة على الشارع بكل منها رخامة نقشت عليها نصوص شعرية.
ويشمل المعلم التاريخي "تربة الباي" واجهات خارجية مزينة بالجبص وبه أعمدة إيطالية أما القباب التي تعلو الشرفة فإنها تتعدد بتعدد الغرف التي يحتويها المعلم، ويعود هذا التشعب والتعدد في القاعات إلى الأعمال التوسعية التي تنجز على حساب المنازل المجاورة للتربة كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
وتحتوي تربة الباي أضرحة العائلة الحاكمة وأضرحة وزرائها وخدمها الأوفياء، كما خصصت قاعات لأضرحة البايات (الأمراء) وأخرى للأمراء الذي يطلق عليهم لقب "سيدي" وأخرى للأميرات اللاتي يطلق عليهن لقب "للّا" فضلا عن الوزراء والمقربين.
واعتبر منتصر جمور، محافظ مدينة تونس، المهندس المعماري المسؤول عن إعادة ترميم وتثمين معلم "تربة الباي"، أن "تونس نجحت في إحياء أهم معالم المدينة العتيقة بتونس، خصوصا أن الحالة الإنشائية التي أضحى عليها المعلم كانت تستوجب إغلاقه وإعادة ترميمه حتى يستجيب لمقومات حسن المعمار، باعتبار أن بعض جوانبه كانت آيلة للسقوط، تم غلق المعلم منذ 2012 حتى لا يشكل خطرا على الزوار."
وفي تصريح خاص لسكاي نيوز عربية قال جمور: "في 2019، وبعد استكمال مخطط إعادة الترميم وتثمين الموقع شرعنا في إنجاز المشروع ككل، بدءا بالدارسات الهندسية التي أشرف عليها خبراء وفنيون وحرفيون من محافظة مدينة تونس، والمعهد التونسي للتراث ووكالة حماية التراث، إعادة ترميم الأجزاء والمكونات المعمارية الخاصة بتربة الباي دامت قرابة 4 سنوات، وها أن هذا المقام بدأ منذ الجمعة الماضي في استقبال الزوار."
وتابع قوله:" تربة الباي هي معلم بناه علي باي الثاني وهو رابع بايات الدولة الحسينية، نحن نتمنى أن يفتح ترميم وتثمين تربة الباي، الباب لصيانة معالم أخرى وإعادة تثمينها، خصوصا أنها تندرج ضمن مسلك سياحي فضلا عن ثرائها بالمعلومات التاريخية، مدينة تونس في حاجة لمزيد الاهتمام بمثل هذه المتاحف التاريخية التي تشكل ذاكرة البلاد".
وأضاف المهندس المعماري المسؤول عن إعادة ترميم وتثمين المعلم، أنه "لا يضم فقط أضرحة البايات والأمراء الحسينيين والوزراء وأفراد الأسرة، وإنما يتضمن حقائق تاريخية هامة عن تاريخ تونس في القرنين 18 و19."
وكانت تونس قد شرعت منذ أكثر من 5 سنوات في تنفيذ خطة تهدف إلى إعادة الحياة إلى عدد من المعالم التاريخية التي تروي فترات مهمة من تاريخ البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتحويلها إلى مزارات سياحية ومتاحف، فضلا عن حمايتها من الاعتداءات ومحاولات التخريب والنهب التي طالت مكوناتها الفريدة والنادرة.