بسيارتها الفارهة، تتوقف ليلى بنت الشيخ 28 عاما، أمام أحد مطاعم العاصمة الموريتانية نواكشوط، لتمضية بعض الأوقات مع صديقاتها.

وتحجز ليلى جناحا خاصا "VIP" لصديقاتها، قبل أن توضح لسكاي نيوز عربية، أنها تنحدر من عائلة أرستقراطية، حيث نشأت وترعرعت في عالم من الرفاهية.

وتشير ليلى في حديثها إلى أنها تقضي كل عام، إجازاتها السنوية، في بلد جديد، وقد استمر هذا النمط الرفاهي، حتى بعد زواجها.

تقول ليلى: "ولدت في منزل مليء بالعاملين، حيث يتكفلون بجميع الأعمال المنزلية، ولدينا عدد من السائقين. لم أقم يوما بأي عمل منزلي، كما أنني لا أجيد الطبخ، تعلمت مؤخرا صنع الشاي الموريتاني قبل زواجي بفترة قصيرة، وهو الوحيد الذي أجيده حاليا.

درس في الإنسانية

أخبار ذات صلة

الخيمة الموريتانية.. موروث شعبي حاضر في المشهد السياسي

 وتضيف الفتاة الموريتانية: "عائلتي لديها القدرة على توظيف العاملين، وزوجي من الأثرياء، لذا لا أعتقد أنه سيكون لي دور في الأعمال المنزلية."

 مثيلات ليلى في المجتمع الموريتاني، كثر بحسب بعض المختصين في المجال الاجتماعي، الذين يرجعون أسباب ذلك إلى البيئة التي نشأن فيها.

وقد يعود عدم القيام بالأعمال المنزلية بالنسبة لبعض الأرستقراطيات، إلى انشغالهن ببعض الأعمال، بحسب آمنة بنت بونه التي التقتها "سكاي نيوز عربية"، وهي تتسوق في أحد محلات العطور.

وتقول بنت بونه: " أتحدر من عائلة ثرية، حيث كانت جميع متطلبات الرفاهية متوفرة لدي، وحين حصلت على شهادة الباكالوريا، أرسلتني عائلتي إلى الخارج لدراسة إدارة الأعمال. والآن أنا أدير بعض أعمال والدي، منذ سنوات، ولم تسنح لي الفرصة للقيام بأي عمل منزلي ، نظرا لانشغالاتي".

وتضيف: "كنت في السابق، أجيد صناعة بعض الحلويات في شهر رمضان."

أخبار ذات صلة

موريتانيا.. الإنجليزية بوابة العاطلين لسوق العمل
"البوادي".. منتجعات لتسويق الثقافة والأصالة الموريتانية

ومما هو معروف لدى المجتمع الشبابي الموريتاني، الهوس بالتمظهر، عبر البذخ في المناسبات الاجتماعية خاصة لدى الفتيات، اللواتي دأبن مؤخرا على التباهي بأسلوبهن في الحياة، على مواقع التواصل الاجتماعي، كغيرهن في المجتمعات العربية.

مريم بنت سيدي فتاة في العشرينيات من عمرها، تنحدر من الطبقة الوسطى، وقد تزوجها رجل أعمال سعودي قبل سنوات، مما جعلها تنسلخ تماما، من البيئة التي نشأت، وكبرت فيها.

وتقول مريم لسكاي نيوز عربية: "كنت أقوم بجميع الأعمال المنزلية قبل زواجي، لكنني الآن لم أعد أقوم بأي شيء، فقد أصبحت لدي حاشية من العمال، تدير شؤون المنزل، ولدي سائق خاص، ولصغاري، ولا أعتقد أنني قد أقوم بالأعمال المنزلية مجددا، مادامت هذه الظروف متوفرة لدي."

ثقافة التمظهر، هي جزء من سلوك المرأة الأرستقراطية في موريتانيا، حيث يعتبر بعضهن، أن القيام بالأعمال المنزلية منقصة، بحسب الحقوقي ورئيس هيئة الساحل للدفاع عن حقوق الإنسان إبراهيم ولد بلال.

 ويقول إبراهيم لسكاي نيوز عربية: " ثقافة الاستعباد جزء من سلوك المرأة الأرستقراطية عندنا (...) فلا تتأسس أرسقراطيتها بالضرورة على المكانة الاقتصادية، بل الاجتماعية وهي مقتنعة أصلا بان الأعمال اليدوية منقصة لا تليق بعلية القوم و لها انعكاسات غير مرغوبة على الناحية الجمالية للمرأة زيادة إلى كونها من اختصاص فئات معينة."

ويضيف ولد بلال: "ومازال وضع المرأة الأرستقراطية هو نفسه لم يتغير، و كلما كانت عاملة وذات دخل كلما ازداد الطين بلة وغابت عن المنزل وغاب دورها في التربية والخدمة المنزلية وازدادت حاجتها إلى خدم وحشم."

ويوضح إبراهيم: "فعلا هذه العادة مازالت موجودة وباقية مالم تتغير العقليات وتمحي آثار الاستعباد ويرتفع سعر الخدم في المنازل حتى تخضع المرأة الأرستقراطية لضغط الحاجة عندها قد تتنازل مكرهة عن عقلياتها الماضية."

أخبار ذات صلة

سوق المطلقات في موريتانيا.. الوجه الآخر لظاهرة مدمرة
في زمن التحولات.. هل يتخلى الموريتانيون عن "الدراعة"؟

ومن العادات التي عرفت لدى الأرستقراطيات في موريتانيا، هي ابتعادهن عن صغارهن في معظم الأوقات، وعدم اصطحابهم معهن في الخرجات، حيث يترك الأمر للمربيات، وحين يبلغ الأطفال سن التعليم، يتكفل سائق الأسرة باصطحابهم إلى المدرسة، والعودة بهم إلى المنزل، لكن تلك الظاهرة، بدأ بعضهن ينسلخن منها، على غرار أسماء بنت محمد التي أكدت لسكاي نيوز عربية، خطورة ذلك.

 وتقول أسماء: "لا يمكنني أن أعهد بتربية صغاري لأي كان، كما أنني أبغض استئجار العاملين في المنزل، رغم قدرتي على ذلك. وجود العاملين لديه تأثير سلبي على الأطفال، حيث يعودهم على عدم تحمل مسؤولياتهم الشخصية. أقوم بجميع الأعمال المنزلية رغم أن عائلتي ثرية، وأريد لأبنائي أن يكون كذلك."

يشير بعض الباحثين إلى أن الفتيات اللواتي لايقمن بأي عمل منزلي، هن ضحايا بيئتهن، التي عودتهن على عدم القيام بأي شيء، وهي عادة منتشرة في أغلبهن حتى المتعلمات منهن.

ويؤكد بعض المختصين، أن تلك العادة، لايمكن أن تتغير إلا في حالة عاشت إحداهن خارج البيئة، مستبعدا أن يساهم التعليم وحده في تغييرها.

 وتشهد موريتانيا ظاهرة فريدة من نوعها، تتمثل في انتشار الخدم، خاصة في المنازل، منذ قانون تحرير العبيد عام 1960م، والذي دفع بالعديد من المحررين إلى البطالة وعدم القدرة على إعالة أنفسهم، ما اضطرهم إلى العودة إلى ذويهم السابقين للبحث عن عيش كريم بجانبهم، فتحول الآلاف منهم إلى خدم وعمال في المنازل، وهو ما خلق ظاهرة الخدم في معظم البيوتات الموريتانية خاصة في أوساط الأسر الميسورة.