فقد المغاربة، مؤخرا، واحدة من أبرز نجمات الشاشة، برحيل الممثلة خديجة أسد عن الحياة، تاركة وراءها إرثا فنيا يمتد لعقود من الزمن، لا سيما سلسلة "لالة فاطمة" التي امتدت لثلاثة مواسم، وكانت تحصد مشاهدة واسعة في شهر رمضان.
وما إن انتشر خبر وفاة الممثلة خديجة أسد عن عمر يناهز 70 عاما، بعد صراع مرير مع مرض السرطان، حتى سارع عدد كبير من المغاربة إلى نعي النجمة التي "انطفأت" داخل بيتها، فيما كانت قد غادرت المستشفى سابقا، لأن جسمها لم يعد يتجاوب مع العلاج.
ويكاد يجمع المغاربة على أن سلسلة "لالة فاطمة" كانت بمثابة أفضل عمل كوميدي شاهدوه على "شاشة رمضان"، فيما باتوا يشكون ما يعتبرونه "فقرا في الإبداع" يطغى على الأعمال الجديدة.
وإذا كانت سلسلة "لالة فاطمة" التي بدأ عرضها في عام 2001، قد حظيت بقدر عال من الإعجاب، فلأن عدة عوامل تظافرت فجعلت العمل يخطف الأنظار، ويوقد جذوة الحنين بعد أكثر من عقدين على عرضه.
تتحدث السلسلة عن حياة أسرة "بنزيزي" التي يحضر فيها مختلف الأفراد من جد وأب وحفيد، إلى جانب خادمة البيت والجيران، بينما تتطرق كل حلقة إلى موقف ما حتى تعالجه من زاوية مختلفة، في قالب كوميدي يرسم البسمة على الوجوه.
كوميديا وقضايا
تطرقت سلسلة "لالة فاطمة" طيلة أعوام إلى مختلف قضايا المجتمع في المغرب، مثل العنف ضد المرأة، والفراغ الذي يعاني منه الرجل المتقاعد، والتعامل مع خادمات البيوت، ومشاكل التجارة، والزواج وحتى السياحة.
واستطاع العمل أن يتطرق إلى كل هذه القضايا، علما بأنه لم يبرح مكانين اثنين، لأن تصويره جرى في شقة واحدة فقط في مدينة الدار البيضاء، غربي البلاد، إلى جانب محل لبيع وتأجير أشرطة الفيديو، على غرار ما كان في التسعينيات.
في خضم هذا العمل، استطاعت الممثلة أمل الأطرش أن تجسد دور الخادمة "عيشة" بكثير من الاقتدار، فظهرت في هيئة الفتاة القادمة بسذاجة من القرية وهي تقاوم الفراغ بمتابعة مسلسلات في المطبخ، بينما تبحث بمشقة الأنفس عن زوج، وآمالها معلقة على بقال يعمل على مقربة من البيت.
وزوج الممثلة خديجة أسد في هذا العمل "سي أحمد"، هو زوجها في الواقع أيضا، الراحل عزيز سعيد الله، الذي أدى دور موظف يحاول التنصل من الدوام، ويواجه مستجدات الأسرة اليومية إلى جانب زوجة ذات شخصية قوية.
أما الممثل محمد الخلفي فجسد شخصية رجل شرطة متقاعد يشكو الفراغ ويحاول الإبقاء على سلطته قدر الإمكان، دون أن يتخلص من تبعات العمل الذي مارسه طيلة عقود، فينبش في كل صغيرة وكبيرة من حوله.
وفي الأسرة نفسها، أدت الممثلة سلمى الشدادي دور الابنة هدى، ذات العقلية الجديدة التي تريد تغيير موقف الأسرة بشأن كثير من القضايا مثل العطف على الحيوان.
لغة العمل وقوة التجسيد
نال العمل شهرته لأن التجسيد بدا مقنعا للغاية، ولم يكن يبدو "تمثيلا مصطنعا"، بلغة منمقة، على غرار "النمطية" التي وقعت فيها أعمال كثيرة.
وربما بلغ التجسيد هذه القوة بحكم الممثلين الذين شاركوا فيه، وهم من النجوم الكبار، فيما أصبح الجيل الجديد على التلفزيون يضم ممثلين جاء بعضهم إلى المهنة عن طريق تأثير منصات التواصل الاجتماعي.
يستطيع الممثل الراحل عبد القادر لطفي مثلا الإبداع بقوة عندما يؤدي دور "النصاب" الذي يحاول خداع الغير، بينما يلعب دور شخص يعمل في محل تملكه "لالة فاطمة".
تماسك السيناريو
لم يقع العمل في الابتذال، رغم توالي المواسم، ففي كل حلقة، كانت هناك قضية جديرة بأن تخضع للنقاش، من خلال حوار متماسك ومنجسم يراعي حبكة معقولة ومفهومة تشد الانتباه.
في إحدى الحلقات المخصصة للعنف ضد المرأة، مثلا، يجري التطرق إلى نقاش حول ضرب المرأة، مع الخوض في شؤون الطلاق ومدونة الأحوال الشخصية، وهذا مستوى من النقاش يوصف بالمتقدم، مقارنة بأعمال حالية توصف بالإسفاف، لأنها تعتمد على حركات توصف بـ"البهلوانية" لأجل انتزاع الضحكة من المشاهد.
ورغم النجاح الكبير، انتهى العمل بعد ثلاثة مواسم فقط، وهو في ذروة نجاحه، بخلاف ما تقع فيه أعمال كثيرة تتعرض للتمطيط والإطالة أكثر من اللازم عندما تنجح، فتمتد إلى مواسم لاحقة، وهي مفرغة من أي قيمة مضافة من الناحية الفنية.