اضطرت العديد من المنظمات والجمعيات الأمازيغية في المغرب، إلى توجيه رسالة مباشرة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس دون غيره، لإقرار رأس السنة الأمازيغية الذي يصادف 13 يناير عيدا وطنيا رسميا، في خطوة هي الأولى منذ دسترة الأمازيغية في المملكة.
وجاء ذلك بعدما يئست هذه الهيئات من طرق أبواب رئاسة الحكومة منذ 2011 حتى اليوم، ومعها المؤسسة التشريعية، دون أن تتحقق هذه الآمال، وفشلت تجديد المطالب لجعل رأس السنة الأمازيغية عيدا رسميا، بالنظر إلى رمزية هذا اليوم لدى جميع المغاربة أمازيغ وغيرهم.
في انتظار ذلك، تنتشر على نطاق واسع، الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية أو "حاكوزة" أو "إيض يناير" على المستوى الشعبي في كل مناطق المغرب، من خلال طقوس وعادات احتفالية وغذائية بالأساس، تعكس مدى تشبث المغاربة بالأرض ومنتوجاتها.
منظمات توقع رسالة للملك
45 منظمة وجمعية أمازيغية ومدنية وحقوقية ونسائية، بينها التجمع العالمي الأمازيغي، وقعت رسالة مباشرة وخاصة للعاهل المغربي الملك محمد السادس، بترسيم السنة الأمازيغية الجديدة عيدا وطنيا وعطلة رسمية على غرار باقي الأعياد والعطل الرسمية.
ونبهت الرسالة، التي حصل موقع "سكاي نيوز عربية" على نسخة منها إلى أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، يتزامن مع قرب "السنة الثانية عشر للاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011، والسنة الرابعة من إصدار القوانين التنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وأكثر من 20 سنة على خطاب أجدير 2001 المرجعي الذي اعترف بأمازيغية المغرب".
ترسيم السنة
وهي المرة الأولى التي يتم فيها مراسلة عاهل البلاد بشكل مباشر دون غيره، لاقتناع الفاعلون في مجال الأمازيغية في المغرب، بأن "ترسيم السنة الأمازيغية في يد الملك، باعتباره رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، والساهر على احترام الدستور وسير المؤسسات الدستورية"، وفق رشيد الراخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي.
وشدد الراخا، في حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، على أن الأساسي اليوم هو "إصدار قرار يقر برسمية السنة الأمازيغية، وجعل المناسبة عيدا وطنيا لكل المغاربة، باعتبار الأمازيغية رصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء وفق الفصل الخامس من الدستور".
يعتبر رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، أن "من شأن الإقرار برأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، أن يعيد الانتعاش للأمازيغية، تماشيا مع روح وفلسفة الدستور وانسجاما مع ما جاء في القانون التنظيمي، وكذلك انسجاما مع الخُطب الملكية بدءا بخطاب أجدير وصولا إلى الخطاب الأخير في ذكرى ثورة الملك والشعب الذي تحدث فيه عن التاريخ الأمازيغي الطويل للمغرب".
فقدان الثقة واستفاد الطرق
يرى الناشط الأمازيغي، عبد الله بادو أن هذه المبادرة التي قامت بها الهيئات والمنظمات المدنية في مراسلتها المباشرة للعاهل المغربي، الملك محمد السادس، "ينم عن فقدان الثقة في باقي المؤسسات التشريعية والتنفيذية"، بعد استنفاد كل الطرق والسبل المتاحة لإقرار يوم عيد وطني، له ارتباط بمكون هوياتي يعتبر جوهر الهوية الوطنية ورافدا أساسيا لها.
وقال بادو في تصريحه لـ"موقع سكاي نيو عربية": "ألفنا أن أهم الخطوات التي قامت بها الدولة في علاقة مع الأمازيغية، كلها جاءت بمبادرة من القصر دون غيره من الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين، مما يكرس دوره الحاسم في قضايا كبرى كالأمازيغية".
وأعرب بادو عن أهمية إقرار رأس السنة الأمازيغية، "بالنظر لرمزيته القوية والخاصة، ولشعبيته في دول شمال إفريقيا، إذ يحتفل به الجميع منذ قرون"، مبرزا أن "إنصاف الأمازيغية يبدأ من إقرار السنة الأمازيغية عيدا وطنيا لجميع المغاربة، ويوم عطلة مؤدى عنها، بما سيسمح للمغاربة باكتشاف عمق تاريخهم، وعراقة حضارتهم وثقافتهم، وهو ما سيعزز لا محالة ارتباطهم بطونهم وافتخارهم به".
الدولة تعتمد التدرج
في المقابل، يؤكد رئيس تكتل "تاضا تمغربيت"، عبد الله حتوس، أنه "من الصعب التحدث عن فشل مساعي المطالبة المتكررة كل سنة لإقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا رسميا"، معتقدا أن "الدولة المغربية في تدبيرها للملف الأمازيغية، تعتمد على ما يمكن اعتباره تدرجا؛ وهو ما كان منذ خطاب أجديد في 2001؛ ثم إحداث القناة الأمازيغية عام 2010، وأيضا ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، وبعدها صدور القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في 2019".
وتابع حتوس، في اتصاله بـ"موقع سكاي نيوز عربية": "الآن وإن لم يتم الإعلان رسميا عن رأس السنة الأمازيغية، الكل يحتفل وهناك تملك شعبي للحدث، إذ لم يقتصر أمر الاحتفال على الجمعيات الأمازيغية فقط، وهذا بالنسبة لي أقوى بكثير من نص قانوني يعلن فاتح السنة الأمازيغية عيدا وطنيا"
لكن مع ذلك، الذي "ينقص اليوم هو أن تتحمل الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة مسؤوليتها، باعتبار أنه ليس هناك سياسيا ما يمنع الحكومة من أن تقوم بمساطر معينة لجعل رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا"، يستطرد الفاعل الأمازيغي.
احتفالات شعبية واسعة
حتى وإن تأخر الإعلان عن الاحتفال رسميا برأس السنة الأمازيغية المقبلة 2973، إلا أن هناك تحضيرات شعبية على نطاق واسع لتخليد ليلة رأس السنة الأمازيغية التي تصادف 13 يناير في جميع أنحاء المملكة، من خلال طقوس وعادات توارثتها الأسر المغربية سواء الأمازيغية أو غيرها، وتكون مرتبطة بشكل كبير بكل ما يرتبط بالأرض والفلاحة.
وأفاد الباحث في الثقافة الأمازيغية، الحسين آيت باحسين، أن "الاحتفال برأس السنة الأمازيغية له دلالات كثيرة وعميقة من الناحية الرمزية والأنثروبولوجية، على رأسها التعود على تدبير الندرة أو القلة، والوعي بضرورة خلق الانسجام مع البيئة، والاعتزاز بالخصوصيات الثقافية والهوياتية، وتمرير الذاكرة التاريخية للأجيال المستقبلية".
وأضاف آيت باحسين، في حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أن "كل المغاربة تقريبا، سواء من الناطقين بالأمازيغية أو غير الناطقين بها، يحتفلون برأس السنة الأمازيغية ليلة 13 يناير، مع تنوع في عادات وتقاليد وطقوس الاحتفال، ويتم إعداد أطباق بالمناسبة مما تجود به الطبيعة ومما يتوفر لدى ساكنة كل منطقة من تلك المناطق".
وتحرص العائلات على تحضير أطباق عشاء خاصة تختلف حسب المناطق، مثل طبق عصيدة "تكلا"، أو "الكسكس بسبع خضار"، أو طبق "أوركمين". وجرت العادة على أن تُدس نواة تمر في الطعام المقدم بهذه المناسبة، إذ سيكون من يعثر عليها محظوظا طيلة السنة الزراعية المقبلة.