شهدت وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية سجالا ثقافيا، حول الهوية والتراث والأصالة بعد تغريدة للمستشار تركي آل الشيخ، أشار فيها بوضوح إلى منع مشاركة من يلبسون العمامة الشهيرة بـ"الغبانة" من المشاركة في موسم الرياض باعتبارها دخيلة على التراث واللباس السعودي التقليدي.
وشهدت تغريدة آل الشيخ تفاعلا واسعا، برهن فيه معظم المشاركين على صحة ما ذهب إليه آل الشيخ بأدلة تاريخية وشواهد حية، في أن الغبانة هي من ضمن التراث الهندي الدخيل على السعودية منذ فترة طويلة، ما رفضه البعض بأدلة وقرائن أخرى.
وفتح الجدل الباب على مصراعيه لكثير من القضايا والأمور المتعلقة بالتراث السعودي، كاللباس والأطعمة والعادات وغيرها، كان آخرها تغريدات للكاتب السعودي هاني الظاهري كتب فيها ثريد عن الطبق الشهير "البخاري"، الذي يعد أصله مثار جدل لا ينتهي.
والشائع بين الكثيرين في منطقة الخليج أن طبق الأرز البخاري في شكله الحالي، هو طبق وارد إلى السعودية ومنطقة الخليج من منطقة بخارى التي ينتسب إليها، لكن الكاتب والإعلامي السعودي هاني الظاهري له رأي آخر، عبر سرده الذي وضح فيه تاريخ نشأة هذا الطبق بشكله المعروف في السعودية، والذي برهن فيه على أن الطبق الشهير سعودي بامتياز عكس ما يعتقده البعض.
وقال الظاهري، إن البخاري ملك المائدة السعودية.. و على الرغم من تسميته بخاري إلا أنها وجبة سعودية خالصة منشأ و انتشاراً، ولن تجد لها وجودا في بلاد البخاريين الأوزبك (بشكلها الحالي) بل ستجد وجبات مشابهة تسمى (بلو - بلوف).
وحسب الإعلامي السعودي، فقد نشأت الكبسة البخارية بشكلها الحالي في ستينات وسبعينات القرن الماضي في حي الشرقية بمدينة الطائف وفي حارة تسمى البخارية، وهي حارة سكنتها الجالية البخارية المسلمة الهاربة من أوزبكستان و ما جاورها إبان الحقبة الشيوعية، بعد أن لجأ البخاريون للسعودية هرباً بدينهم وسُمح لهم بالإقامة فورا.
وأوضح :اختار البخاريون مدينة الطائف للإقامة في السعودية لسببين، الأول قربها من مكة و الحرم الشريف، والثاني مشابهة جوها لجو بلادهم حيث لم يعتادوا على العيش في المناطق مرتفعة الحرارة في ذلك الوقت. وكانوا بأعداد كبيرة مع عوائلهم وعملوا في مهن مختلفة لكسب عيشهم ومنها قطاع المطاعم الحديث آنذاك.
أضاف: كان لدى البخاريين وجبة مشهورة قدموا بها من بلادهم تسمى "بلوو أو بلوڤ" تعتمد على طبخ الجزر والزبيب بكميات كبيرة مع الرز واللحم المقلي في الزيت ثم المطبوخ وهي موجودة إلى اليوم في أوزبكستان وطاجيكستان وتركستان، وقدموها للبيع في مطاعمهم التي فتحوها في البداية.
لكن وحسب تغريدات الظاهري، لسبب أو آخر لم تجد هذه الوجبة رواجاً بين السكان المحليين في الطائف الذين اعتادوا على وجبة "السليق" والوجبات المحلية الأخرى التي لاتعتمد على الأرز، لكن بعض الطباخين المحليين أخذوا أساس وجبة البلوف وطوروها بتخفيف الجزر وجعله للزينة والنكهة واستخدام الدجاج معها وسموها البخاري.
وحسب سرد الظاهري، تنبه البخاريون لذلك ثم بدأوا بطبخ الوجبة الجديدة "الكبسة البخارية" وعرضها في مطاعمهم و كان قد دخل معهم في المنافسة الطباخون المحليون وبعض من أبناء الجالية اليمنية الذين كانوا في حارة مجاورة تسمى اليمانية، وأضافوا بصمتهم عليها أيضاً لتصل لشكلها الحالي.
الظاهري أوضح أيضا، أن من أوائل المطاعم التي قدمت البخاري بشكله السعودي المستقل في الطائف مطعم يسمى مطعم أبو الحكم، وهو طباخ بخاري كان يعمل مع جميع أفراد أسرته في المطعم، ثم انتشرت مطاعم البخاري في مدن الغربية ثم المناطق الأخرى، وأن الطبق الشهير عندما وصل إلى الرياض سمي الرز الطائفي، نسبة إلى الطائف، لكن التسمية فيما يبدو اختفت لاحقا.
وحسب الكاتب السعودي، فقد تميزت كل منطقة سعودية بوضع بصمتها على الوجبات الجديدة، لذا تم إدخال تعديلات بسيطة عليها عندما وصلت إلى المنطقة الشرقية.
وقال: "وفي الثقبة تحديدا حيث انتشرت مطاعم بخاري تقدم الرز بلون غامق مائل للبني وقريب من وجبة الصيادية حيث يعتمد على حرق البصل و إضافة قليل من دبس التمر مع الرز سميك الحبة".
يعدالمطبخ السعودي يعد ضمن قائمة الأشهر والأكثر تنوعا عربيا، بفضل الثراء الثقافي في السعودية، والانفتاح الكبير والتنوع في جميع المناطق التي تحمل كل واحدة منها بصمة خاصة ولونا مميزا لفرادة ثقافتها.