تقود مجموعة من الشباب في الجزائر العاصمة، مبادرة سياحية لتشجيع العودة إلى ارتداء الملابس التقليدية، وعلى رأسها "الحايك".
وتشمل المبادرة تنظيم جولات سياحية جماعية يشارك فيها النساء والرجال وحتى الأطفال، في أزقة القصبة الضيقة (المنطقة التاريخية في الجزائر العاصمة) مرتدين الملابس التقليدية.
ويشكل "الحايك" جزءا هاما من هوية العديد من الأحياء العتيقة في الجزائر، وعلى رأسها حي القصبة، وارتبط بصورة المرأة الجزائرية لعقود من الزمن، خاصة خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
ويقول المرشد السياحي الجزائري مسعود ناصر أعمر ومسيّر بوكالة "السفر في أرض المغامرات"، إن الإقبال على هذه التجربة أصبح يستقطب أعدادا كبيرة من الجزائريين.
وقال ناصر أعمر لموقع "سكاي نيوز عربية": "تركز الفكرة على ارتداء النساء للحايك والقيام بجولة خلال يوم كامل بين أزقة القصبة".
ويرى المرشد السياحي أن نشر ثقافة إحياء التراث بهذه الطريقة بإمكانه أن يساهم في إخراج الفضول لدى أجيال اليوم من الشباب الجزائرية الذين أصبحوا متأثرين بالثقافة الغربية في ملابسهم اليومية، مما أدى إلى تلاشي الكثير من العادات والثقافات القديمة.
أصول الحايك ما قبل الأندلس
وعلى غرار العديد من المدن الجزائرية، فقد اشتهر سكان حي القصبة في القرن الماضي، بارتداء النساء فيه للحايك.
وأصل تسمية الحايك لغويا "الحيكة"، وتعني النسج بدقة متناهية لقطعة من قماش مستطيل يستخدم لتغطية الجسم بالكامل، ويمكن أن يكون لونه أبيض أو أسود.
وتوضح الباحثة الجزائرية ومديرة المركز الجزائري للثقافة والفنون "قصر رياس البحر" بالقصبة، فايزة رياش، أنه على عكس ما هو شائع فإن الأبحاث الأخيرة، تؤكد أن أصول الحايك تعود إلى فترات قديمة ما قبل الفترة الأندلسية، وقد تصل إلى الحقب النوميدية والفينيقية وحتى الرومانية.
وبحسب الدرسات، فقد وصلت ثقافة الحياك إلى الجزائر العاصمة أواخر القرن السادس عشر.
وقالت رياش لموقع "سكاي نيوز عربية": "هناك حنين اليوم إلى الألبسة التقليدية التي افتقدت الجزائر جزء كبير منها في العقود الأخيرة".
للحايك أسماء عدة في الجزائر، ففي مدينة الأغواط بالجنوب الشرقي للجزائر مثلا، يطلق عليه اسم "أملوف"، وهناك الحايك "بوعوينة" الذي اشتهر كرمز للحشمة والحياء.
ولم يقتصر ارتداء الحايك على النساء فقط ، فقد كان منه أنواع صممت خصيصا للرجال.
كما تقول مديرة المركز الجزائري للثقافة والفنون "قصر رياس البحر": "حتى الرجال لبسوا الحايك تحت البرنوس، وأشهرهم الأمير عبد القادر الذي كان يرتدي الحايك تحت البرنوس".
وانتشر الحايك في بلدان المغرب العربي، بعدة تسميات ففي تونس يطلق عليه إسم "السفساري".
وأكد الباحث الجزائري بوعلام بلشهب أن الحايك يعد أحد رموز الاتحاد والوحدة في مجتمعات شمال إفريقيا.
وقال الباحث الجزائري: "لقد ساهم الحايك في إخفاء الاختلافات الجهوية بين سكان الجزائر".
من الثورة إلى العشرية السوداء
وأدى الحايك دورا هاما خلال الثورة الجزائرية، إذ ارتداه أعضاء بارزون في جبهة التحرير الوطني، لإخفاء الأسلحة والمتفجرات أثناء قيامهم بعمالياتهم العسكرية ضد المستعمر الفرنسي في حي القصبة.
وسعى المخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو لإظهار أهمية الحايك خلال الثورة الجزائرية، حيث قدم عدة مشاهد في الفيلم الشهير "معركة الجزائر" 1966، لقادة الثورة يرتدون الحايك لإخفاء الأسلحة.
ويشير الباحثون إلى أن الحايك بدأ في الاختفاء تدريجيا خلال تسعينيات القرن الماضي، حيث توجهت النساء لارتداء الحجاب والجلابة في تنقلتهم اليومية بدلا من الحايك.
وقال الباحث ناصر جابي لموقع سكاي نيوز عربية: "لقد أثرت العشرية السوداء في الثقافة الجزائرية بشكل كبير، فقد طمس العديد من ملامح الهوية الثقافية الجزائرية وخاصة الملابس التقليدية".
وتقديرا لمكانة الحايك، توجد في الجزائر جائزة خاصة اسم "سيدة الحايك" تنظم سنويا، في الجزائر العاصمة ووهران ومدن أخرى بالجزائر بغرض إحياء هذا العنصر المتميز من التراث الثقافي.