كشفت أرقام رسمية صادرة عن معهد الإحصاء في تونس تراجع عقود الزواج المسجلة في البلاد بنسبة 33 في المئة، خلال الفترة الممتدة بين 2016 و2020، لتنخفض بذلك معدلات الزيجات إلى أقل من 70 ألف عقد زواج سنويا، مما أدى إلى تراجع عدد الولادات بعشرين في المئة، وأثار مخاوف بخصوص تهرم السكان حيث تتجه أعمار أغلب السكان إلى الشيخوخة.
وأكدت مديرة الإحصائيات الديمغرافية بالمعهد الوطني للإحصاء، هدى بوهلال، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن كل زواج جديد يعني ولادة جديدة إحصائيا، وبالتالي ساهم تراجع عقود الزواج في البلاد في تراجع نسق الولادات مخلفا تأثيرات ديمغرافية على المجتمع، الذي قد يتجه أكثر نحو تهرم السكان خلال السنوات القادمة إذا استمرت معدلات الزواج منخفضة.
واعتبرت بوهلال أن تحسن الخدمات الصحية وارتفاع أمد الحياة كلها عوامل أثرت بدورها على التركيبة الديمغرافية للمجتمع، حيث ارتفعت نسبة كبار السن مقارنة بنسبة الشباب والأطفال في المجتمع.
عوامل اقتصادية واجتماعية
وأرجع الباحث في علم الاجتماع، فؤاد الغربالي، التغيرات الديمغرافية الحاصلة في تونس ودخولها في مرحلة التهرم السكاني، إلى عوامل اقتصادية وأخرى اجتماعية، قائلا في تصريحات لموقعنا إن "تراجع القيمة الاجتماعية لمؤسسة الزواج ساهم في لجوء الأفراد لخيارات بعيدة عن التزامات العائلة والأقارب حيث أصبحوا يستمدون الاعتراف في المجتمع من سرديتهم الفردية ونجاحهم العلمي والمهني على حساب ما تقدمه مؤسسة الزواج من اعتراف اجتماعي، كما أن تقلص الوصم الاجتماعي لغير المتزوجين خاصة من الرجال ساهم بدوره في تراجع معدلات الزواج".
وأوضح الغربالي أن نجاح النساء في المجتمع لم يعد مرتبطا بمؤسسة الزواج بل ارتبط أكثر بخروجهن للعمل وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
وأضاف الباحث في علم الاجتماع أن "الجوانب الاقتصادية ساهمت أيضا في تراجع عقود الزواج في تونس بعد عزوف الكثير من الرجال عن الارتباط في السنوات الأخيرة جراء الأزمة الاقتصادية الحادة ولجوء الآلاف منهم إلى الهجرة"، مشيرا إلى أن مدينة مثل تطاوين جنوبي البلاد خسرت في السنة الأخيرة 10 في المئة من شبابها في سن الخصوبة بعد أن اختاروا طريق الهجرة، مع ما يعنيه ذلك من تأثيرات على تغير التركيبة السكانية للمنطقة.
وأكد الغربالي أن التغيرات الاقتصادية الحاصلة في المجتمع توافقت مع تغيرات قيمية، تتعلق بانتشار القيم الفردانية التي سمحت للأفراد بالبحث عن رضا الذات في اختيار الشريك أكثر من قبل، بسبب انفتاح الجنسين على منصات التواصل الاجتماعي التي ساهمت في تحويل سوق الزواج إلى مساحة شاسعة من الخيارات مقارنة بالماضي وعززت الجانب الاستهلاكي في اختيار الشريك خاصة في كل ما يتعلق بالمظهر.
وخلص الباحث إلى أن التقاء الأزمة الاقتصادية بتغير قيم الاستهلاك في المجتمع ساهم في فقدان مؤسسة الزواج لجزء من شرعيتها في المجتمع وانخفاض نسبة الاعتقاد فيها كمؤسسة توفر الحماية والاعتراف بالذات.
رهاب الزواج
من جانبه، قال الأخصائي في الطب الجنسي الدكتور أحمد النيفر إن تراجع نسب عقود الزواج لأسباب اقتصادية واجتماعية وتأثيرها على عدد الولادات وتغير التركيبة الديمغرافية للسكان ودفعها نحو التهرم، تنضاف إليها أسباب أخرى نفسية مثل رهاب الزواج الذي يعاني منه الكثير من الشباب بسبب تخوفهم من نسب الطلاق المرتفعة في المجتمع، وانتشار العلاقات المفتوحة في المجتمع لدى الشباب في سن الخصوبة وتأثيرها على القدرة الإنجابية للسكان.
تجدر الإشارة إلى أن السلطات في تونس تؤكد أن البلاد تشهد تحولا ديمغرافيا يكمن في ارتفاع عدد كبار السن مقابل انخفاض تدريجي للفئات العمرية الأصغر وتتوقع تطورا في عدد المسنين يصل إلى 15 في المئة من إجمالي السكان بحول عام 2024، كما تخطط لمراجعة برامج الإحاطة والرعاية الصحية والاجتماعية الخاصة بهذه الفئة.