يتجه الأمازيغ في تونس في السنوات الأخيرة لإحياء العادات والتقاليد القديمة التي تمثلهم، وإعادتها للواجهة في تظاهرات احتفالية وثقافية مختلفة، خوفا من اندثارها، ويحرصون من أجل ذلك على المحافظة على تداول اللغة الأمازيغية بينهم، ومواصلة إنشاد الأغاني الأمازيغية، والمحافظة على اللباس والعادات الغذائية في حياتهم اليومية.
ويؤكد باحثون في التراث أن العادات التونسية نهلت الكثير من الموروث الأمازيغي، خاصة في جوانبها المتعلقة بالغذاء واللباس، وعادات الاحتفال، وتقاليد الأنشطة الزراعية.
ويجري الاحتفاء بالثقافة الأمازيغية في عدة مناطق شمال وجنوب تونس ومن بينها جزيرة جربة ومدن صفاقس وتونس العاصمة ومطماطة ومناطق الساحل.
وتتجسد الثقافة الأمازيغية عبر توظيف رموزها في اللباس والأواني والوشم، وتمرير كلماتها في الأغاني والقصائد الشعبية.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، قالت مصممة الأزياء المختصة في اللباس المستوحى من الموروث الأمازيغي مريم بريبري، إنها تعمل في تصاميمها على تلميع صورة الموروث الأمازيغي المدفون.
وأضافت بريبري أنها لاحظت "إقبال التونسيين على ارتداء ألبسة تقليدية بسيطة وخفيفة تطوع الأشكال والرموز الأمازيغية مثل شجرة الزيتون وحبوب القمح والسفينة التي ترمز للقوة والحرية والجمال والسيادة الغذائية وقدسية الزيتون والقمح في شمال إفريقيا".
وتابعت: "أستعمل الوشم الأمازيغي زينة مصاحبة لهذه الألبسة حتى لا يندثر، وأكتب قصة كل وشم بربري في الثقافة الأمازيغية. أعتقد أنني نجحت في جلب اهتمام الشباب "للقشابية" التونسية وهي لباس الفلاحين في الأصل كما أحييت حروف اللغة الأمازيغية برسمها على الملابس".
ومن جهتها، قالت الناشطة الأمازيغية والمغنية سحر الدالي أمانيس إنها اختارت الموسيقى للتعريف باللغة الأمازيغية منذ عام 2015، حيث أعادت أغان مغربية وتونسية قديمة باللغة الأمازيغية ثم كتبت بدورها نصوصا تتغنى بالأرض والوطن وظهرت للجمهور باسم أمازيغي أمانيس الذي يعني الوردة.
وأكد رئيس الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية كيلاني بوشهوة في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أنهم يعملون في المجتمع المدني على الدفاع عن التراث الأمازيغي في البلاد مع مجموعة من الغيورين على الهوية الأمازيغية، ويحرصون خلال أنشطتهم على المحافظة على اللغة الأم والتراث المادي واللامادي.
وبيّن بوشهوة أن: "أغلب مفردات اللهجة التونسية تعود للغة الأمازيغية كما ترجع أشهر الأكلات مثل "الكسكسي" و"البربوكش" للأصول الأمازيغية، داعيا السلطات للاعتراف بالأمازيغية مكونا أساسيا للشخصية التونسية عبر المحافظة على اللغة وفن العمارة من الاندثار والالتزام بتوصيات الأمم المتحدة، خاصة وأن التراث الأمازيغي يظهر جليا في كل نواحي الحياة، كما يتناقل مئات الآلاف في مختلف جهات البلاد اللغة الأمازيغية وتمررها العائلات عبر الأجيال.
ودعت كذلك رئيسة جمعية تامونت نهى قرين إلى عدم تغييب الثقافة الأمازيغية واعتبارها مجرد فلكلور لأنها تعبّر عن الأصالة وتغذي الثقافة اليومية، مؤكدة على ضرورة تمكين النساء العاملات في الحرف التقليدية لصناعة منتوجات عتيقة، والعمل على صيانة القرى الأمازيغية وتصنيفها ضمن التراث الوطني، والسماح بتسمية العائلات للمواليد بأسماء أمازيغية.
ووفق الباحث في الحضارة الأمازيغية الدكتور فتحي بن معمر، فإن الحضور الأمازيغي ليس مستحدثا في تونس بل يعود لأكثر من عشرة آلاف سنة، عندما عاش الأمازيغ في المغرب الكبير وتركوا طابعهم المميز في الحضارة، مشيرا إلى أن سبعين في المئة من اللهجة التونسية أمازيغية الأصل.
وقال بن معمر إن الدراسات أثبتت أن الكثير من العادات والتقاليد المتعلقة بالغذاء واللباس والحلي وطبيعة الوشم عند الأمهات هي من أصل أمازيغي غير أن جزءا كبيرا منها اندثر أثناء بناء الدولة الوطنية وتكوين الدولة التونسية الحديثة حتى تحولت إلى فولكلور يعرض للسياح فقط.
وأكد بن معمر أن الاهتمام بالموروث الأمازيغي عاد للواجهة مع جيل من الشباب الذي أنتج كتبا عن الثقافة الأمازيغية وبحوثا أكاديمية ومعجما باللغة الأم وحكايات من التراث الأمازيغي والأغاني، فالناس يتوقون إلى هويتهم الأصلية لإعادتها للواجهة باعتبارها هوية عميقة للتونسيين، مشيرا إلى أن هذا التنوع في الهويات داخل المجتمع التونسي لا يطرح أي مشاكل إذا أحسنت إدارته.