"أنين الصمت.. صمّاء أسمعت العالم" هو اسم الكتاب الذي انتهت من كتابته طبيبة الأمراض الجلدية المصرية فادية عبد الجواد (61 سنة) ويصدر خلال أيام بعدة لغات، ويحكي قصتها كأول صمّاء تتخرج في كلية الطب وتعمل طبيبة لنحو 20 عاما قبل أن تتمكن من استعادة حاسة السمع.
وتحكي الطبيبة في كتابها، حسبما قالت لموقع "سكاي نيوز عربية"، كيف حولت المعاناة والإعاقة إلى بارقة أمل، في تجربة ترغب أن يقتدي بها الشباب المصري والعربي.
وتابعت: "الكتاب سيصدر بعدة لغات، وأرباح بيعه ستذهب لعلاج مرضى الإعاقات السمعية ومرضى السرطان في مصر".
وأوضحت فادية عبد الجواد: "أنا مصنفة كأول طبيبة صمّاء في مصر والعالم، لأنني فقدت حاسة السمع في عمر 11 سنة نتيجة حمى شوكية، وكنت وقتها في الشهادة الابتدائية. دخلت في غيبوبة لمدة 8 أسابيع، وحينما استفقت منها كنت قد فقدت السمع تماما".
وأضافت: "وقتها عشت فترة من التوتر والقلق ورفضت الواقع الجديد، لكنني كنت طالبة متفوقة جدا دراسيا ومشاركة في جميع الأنشطة بمدرستي، وفجأة أصبحت أسيرة في عالم الصمت. لم أستمر في هذه الصدمة طويلا وانتقلت لحالة من الهدوء والسلام النفسي (...) ثم تعلمت طريقة للتواصل مع من حولي بقراءة حركات الشفاه".
واستطردت الطبيبة: "كان المثير والمحزن أنني خرجت من المستشفى على امتحان الشهادة الابتدائية، وفقدت درجة الإملاء في اللغة العربية لأنني لم أستطع سماع المعلمة، لكني تفوقت وحصلت على مجموع كبير في الشهادة الابتدائية، واستمر تفوقي في الإعدادية واعتمدت على نفسي في التعليم الذاتي وتثقيف نفسي، ثم حصلت في الشهادة الثانوية على مجموع 98 بالمئة، بينما كانت كلية الطب وقتها تقبل من مجموع 83 بالمئة فقط".
و"بعد حصولي على هذا المجموع الكبير في الثانوية العامة صممت على تحقيق حلمي منذ الصغر في أن أكون طبيبة، وزاد تمسكي بهذا الحلم بعد إصابتي بالصمم، وبالفعل التحقت بكلية الطب في جامعة عين شمس".
وأوضحت فادية: "في كلية الطب وطوال 6 سنوات عانيت بشدة من الامتحانات الشفهية التي كانت باللغة الإنجليزية ويعاني منها الأصحاء أنفسهم، وأنا لم أكن أتقن قراءة الشفاه التي تتحدث الإنجليزية. لم تكن مشكلتي إطلاقا في عدم معرفة الإجابة لكن الأزمة كانت في قراءة السؤال. مرت سنوات دراسة الطب في منتهى القسوة لكني اجتهدت كثيرا وكنت أذاكر ليل نهار، حتى استطعت التخرج وأصبحت طبيبة، وكنت في السنة النهائية من دراسة الطب متزوجة وأما لابنتي الكبرى".
واستمرت في سرد قصتها قائلة: "بعد تخرجي سافرت للعمل في الخارج وتجولت في بلدان عربية لمدة 20 سنة، ومن فرط انغماسي في عملي واهتمامي بتطوير نفسي نسيت أنني صمّاء، حتى طلب مني أولادي أن أجري عملية زراعة القوقعة. كنت غير مهتمة ولا أشعر أنني ينقصني شيء، لكنهم قالوا لي إن حلم حياتهم أن أسمعهم وهو يتحدثون لي، فأجريت أول جراحة عام 2006 بعد 33 سنة من إصابتي بالصمم، ومن بعدها تلونت الحياة بالبهجة حين سمعت أصوات أولادي، ثم أجريت الجراحة الأخرى عام 2014".
وأكملت: "بعد مغادرتي لعالم الصم بالكامل، ورغم أنني أبدا لم أكن أعتبر نفسي معاقة، فقد فكرت في الاهتمام بمن يعانون الإعاقة السمعية لأشاركهم تجربتي كيف نجحت وتحديت إعاقتي وأصبحت طبيبة ناجحة وأما مهتمة بأولادها، فأسست جمعية (السمع.. صوت الحياة) وتوليت رئاسة مجلس إدارتها 4 سنوات، وأصبحت قضية السمع رسالتي في الحياة، وطالبت بمبادرة قومية للقضاء على الصمم في مصر عبر زرع القوقعة للمواليد الذين يعانون الصمم في العام الأول من العمر، حتى يتعلمون الكلام من الصغر، لأن زراعتها في وقت متأخر يجعل المريض غير قادر على الكلام".
وتابعت: "بسبب تجربتي وجهودي حصلت على تكريمات محلية ودولية، حيث حصدت جائزة هيلين كيلر من المؤسسة الدولية لشئون الإعاقة بالأمم المتحدة، وكذلك على درع نقابة الأطباء المصرية وشهادة الطبيب المثالي ودرع الريادة العالمي من شبكة الرائدات العربيات، لكن التكريم الحقيقي الذي أتمناه هو القضاء على مشكلة الصمم في مصر، كما قضينا على مشكلة فيروس سي".