أعربت هيئات مدنية في مدينة زاكورة، جنوب المغرب، عن استيائها مما وصفتها بـ"عملية تدمير" موقع أثري، من أجل إقامة ضيعة لزراعة البطيخ، الأمر الذي أدى إلى طمر عدد من النقوش.
وأبدى المرصد الوطني للتراث الثقافي، وهو هيئة غير حكومية، استنكاره لتدمير هذا الموقع، باستعمال آليات ثقيلة لشق المسالك وإعداد الحقل وحفر الحوض المائي، قائلا إن هذه العملية تسببت بتخريب نقوش الموقع، المسجل في فهرس مواقع النقوش الصخرية تحت رقم 150039.
وذكر المرصد أن بعد تدمير الموقع، لم تتبق سوى ثلاثة نقوش صخرية فقط من أصل ما يقارب الئتين، كما شمل التدمير تمركزات لأدوات حجرية تغطي معظم فترات ما قبل التاريخ.
وأوضح المرصد، في بيان، أن الموقع كان يضم نقوشا صخرية منجزة بأسلوب "تازينا"، وهي ذات قيمة أثرية وتراثية وجمالية لا تقدر بثمن ويرجع تاريخها إلى العصر الحجري الحديث.
ووصف المرصد هذا الفعل بالفادح في حق جزء من التراث المادي الوطني والإنساني، معربا عن استنكاره الشديد لهذه الأفعال واصفا إياها بغير المسؤولة، لأنها تلحق الضرر بالمواقع الأثرية المغربية وتفقدها قيمتها العلمية والتاريخية.
ومن أجل إعادة الاعتبار لهذه المواقع التاريخية، طالب المرصد وزارة الثقافة والشباب والتواصل بالتدخل العاجل لوقف "مسلسل التخريب" الذي تسارعت وتيرته بشكل مقلق يهدد التراث الأثري خصوصا في محافظة درعة تافيلالت التي تعد الأكثر تضررا على المستوى الوطني"، وفتح تحقيق مستعجل في الواقعة مع ما يترتب على ذلك قانونيا.
مطالب بالتدخل
ودعا الوزارة المعنية إلى "الانخراط الجدي ونهج مقاربة استباقية في التصدي للتدمير الذي أصبحت العديد من المواقع الأثرية الوطنية عرضة له بسبب عدم احترام مقتضيات القانون 80-22 الذي أصبح متجاوزا، خصوصا مع تكرار حوادث التخريب التي طالت مجموعة من المواقع الأثرية.
وعلى صعيد آخر، طالب المرصد الوطني للتراث الثقافي وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات وبقية القطاعات الوزارية الأخرى، بـتحمل مسؤوليتها في مراقبة دفاتر التحملات وتطبيق القانون، خاصة في دراسة الوقع والتأثير التي يجب أن تضم شقا متعلقا بالتأثير المحتمل للأشغال على المواقع الأثرية وبخصوص واقعة التخريب.
وقال مصدر محلي لـ "موقع سكاي نيوز عربية"، إن الفلاح الذي تسبب في تدمير الموقع الأثري، يعاني من حالة نفسية صعبة، إذ صرح أنه لا علم له بوجود موقع أثري في الضيعة التي اقتناها لزراعة البطيخ الأحمر.
وأفاد المصدر ذاته، أن قريبه الفلاح أخبرهم أنه "لو كان على علم مسبق بأن الأمر يتعلق بتراث ثقافي لما عمل على إزالة الأحجار الأثرية".
وحسب عبد الهادي إيواك، وهو باحث في علم الآثار بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي في مدينة الجديدة (غرب)، فأكد أن "مواقع الفن الصخري ينبغي أن تحظى بالعناية الحكومية، لأنها تساهم في تنمية السياحة الثقافية وتدعيم التنمية المحلية".
وأضاف إيواك، أن المغرب يتميز بغنى مواقع النقوش الصخرية بأقصى الشمال والجنوب، لكن معظمها تعرض للتخريب الكلي أو الجزئي، خاصة بسبب مشاريع البنيات التحتية التي يفترض أن تسبقها دراسة التأثير التي تضم شقاً يتعلق بالمواقع الأثرية.
نقوش صخرية لا تقدر بثمن
وأما خديجة أروهال عن الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية بالبرلمان المغربي، فقالت في حديث مع "موقع سكاي نيوز عربية"، أن الفنون الصخرية تشكل إرثا ثقافيا وطنيا وإنسانيا، وبالنظر إلى فداحة ما تتعرض إليه مواقع النقوش الصخرية في عدة مواقع أثرية من ضرر، فإن الفريق وجه في هذا الصدد سؤالا إلى وزير الثقافة يستفسر من خلاله عن التدابير التي سوف تتخذوها الوزارة من أجل صون هذا الإرث غير المادي وحمايته من كل أشكال العبث والإضرار به.
وتابعت أروهال، إن الموقع المذكو، اكتشف من قبل باحث فرنسي، والمسجل في فهرس مواقع النقوش الصخرية لمديرية الثرات الثقافي، ويضم نقوشا صخرية منجزة بأسلوب "تازينا" ذات القيمة الثقافية والحضارية والتاريخية التي لا تقدر بثمن، ولم يتبق بعد التخريب سوى ثلاثة نقوش من أصل أكثر من 200 نقشا.
وأفادت المتحدثة، أن المغرب يزخر بمواقع أثرية ذات قيمة حضارية لا تقدر بثمن، إلا أن عددا من هذه المواقع يتعرض لأعمال تخريبية في غاية الفداحة، كما هو الحال بمحافظة "درعة تافيلالت" التي شهدت تواتر أعمال "التخريب" في مواقع أثرية متعددة، مثل موقع أكدز، وتيزي، ومكاربية، وتامسهالت، بإقليم زاكورة، وموقعيْ إوراغن وبوكركور بإقليم الراشيدية.
واستنادا إلى مصدر موثوق، فإن لجنة من وزارة الشباب ولثقافة والتواصل (قطاع الثقافة) حلت بمدينة زاكورة للتقصي في قضية تعرض تراث حضاري إلى التدمير مقابل إنشاء ضيعة لزراعة البطيخ الأحمر، ومعرفة من منح الترخيص لفلاح من أجل زراعة هذا المنتوج.