للوهلة الاولى يخيل للزائر إلى قلب المنطقة التجارية في وسط العاصمة السودانية الخرطوم أنه داخل متحف مفتوح للسيارات القديمة؛ حيث ترتص العشرات من سيارات التاكسي الصفراء القديمة من موديلات يبلغ عمر بعضها 50 عاما في انتظار يطول أحيانا لساعات للحصول على راكب بعد أن اقتطعت تطبيقات الأجرة الحديثة أكثر من 95 في المئة من حصتها اليومية.

وبالنسبة لأصحاب تلك السيارات التي بالكاد تقدر على السفر لمسافات لا تتعدى العشر كيلومترات؛ فإنها تذكرهم بعنفوان وعظمة العاصمة الخرطوم في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عندما كان التاكسي الأصفر أحد العلامات المميزة في المدينة التي كانت تعج بالسياح والحركة التجارية قبل أن تفقد بريقها خلال الأعوام الثلاثين الماضية.

وقبل دخول تطبيقات النقل الحديثة والارتفاع الكبير في معدلات امتلاك السيارات الخاصة كان التاكسي الأصفر هو الوسيلة الأكثر استخداما لنقل نحو 80 في المئة من القادمين إلى الخرطوم من مطارها المنتعش آنذاك إلى الفنادق والأحياء السكنية؛ إلا أن حصته تراجعت إلى أقل من 1 في المئة خلال السنوات القليلة الماضية.

أخبار ذات صلة

الدراجات الهوائية بالسودان.. النساء يدخلن على الخط
مبادرة مبتكرة لمواصلات مجانية في السودان

 

وبحسرة ممتزجة بمشاعر الفخر يحكي عبد الله محمد المكي وهو رئيس اللجنة التسيرية لسائقي سيارات تاكسي المطار ما وصل إليه حال زملائه من انخفاض كبير في الدخل في ظل المنافسة الحادة من السيارات الحديثة التي تستخدم تطبيقات نقل الركاب التي اقتطعت أكثر من 90 في المئة من الركاب بسبب الانخفاض النسبي في سعرها وتوفر وسائل راحة الراكب فيها مثل التكييف وغيره.ويقول المكي لموقع سكاي نيوز عربية "ظللت أعمل أكثر من 50 عاما في نقل الركاب القادمين إلى السودان من المطار إلى وجهاتهم المختلفة؛ حيث كان التاكسي هو الوسيلة الوحيدة المتاحة؛ لكن عملنا تراجع كثيرا خلال الفترة الاخيرة".

ويضيف "كانت أعين الزائر تتجه بمجرد خروجه من المطار إلى التاكسي الأصفر، لكن الأمر تغير كثيرا خلال السنوات الماضية حيث أصبحت هنالك خيارات أخرى تتيح للزائر الحصول على سيارة أجرة بمجرد الكبس على هاتفه النقال". ويرى المكي أن من واجب السلطات المختصة حماية تاكسي المطار المميز بعلامته الصفراء من سطوة الدخيلين على المهنة لأنه يعتبر علامة مميزة لاستقبال السائح او الزائر؛ بحسب تعبيره.

وفي المنطقة التجارية بقلب العاصمة، يشير محمد ادم إلى انه يقف أحيانا 6 ساعات للحصول على زبون بعد أن كان التاكسي يشكل أهم وأكثر وسائل النقل طلبا. ويقول آدم لموقع سكاي نيوز عربية إنه مصر على التمسك بمهنته لأنه يرى فيها تاريخا مليء بالذكريات الجميلة.

ويوضح "لم يعد عائد التاكسي يكفي لاحتياجات ربع الشهر، لكني ومعظم زملائي كبار السن يرفضون التخلي عن مهنتهم هذه رغم الضغوط الاقتصادية والمتغيرات الحياتية لأنها تشعرهم بوجودهم وكينونتهم".

ويتفق السمؤال مختار في ذات الإطار الذي ذهب إليه زميله آدم ويقول لموقع سكاي نيوز عربية إنه ظل ومنذ أكثر من ثلاثين عاما يأتي ليصطف بسيارته القديمة في نفس المكان غير مهتما بكم من المال سيجني في اليوم، لكن كل ما يهمه هو الشعور بأنه لا زال قادرا على العمل.

وأوضح "نأتي إلى هنا كل صباح ونحاول الحصول بصعوبة على رحلة أو رحلتين؛ لكن الأمر أصبح بالنسبة لنا فرصة للالتقاء بزملائنا وتبادل الحديث معهم ومعرفة حال البلد على أمل الحصول على القليل من المال الذي يجعلنا نشعر بوجودنا في الحياة".

وينبه مختار إلى أن تاكسي الخرطوم الأصفر يختزن ذاكرة المكان والزمان ويبقي شاهدا على أيام الخرطوم الزاهية؛ كما يفتخر قدامى سائقيه بأن سياراتهم المتهالكة هذه كانت سيدة الطريق لفترة طويلة من الزمان واسهمت في تربية أبناءهم وتأهيلهم في مختلف المهن ومن بينهم من أصبح وزيرا أو طبيبا أو موظفا ناجحا في مختلف المجالات ليردوا الجميل لأباءهم ويرفعون عنهم حرج الفجوة المالية الناجمة عن تراجع دخلهم الذي كان في يوما ما أحد أكبر الدخول في البلاد.

بين الرجل و"التكسي".. كلام كثير!