في إحصائية رسمية تعكس تنامي ظاهرة الابتزاز الإلكتروني في العراق، كشف جهاز الأمن الوطني عن إلقاءه القبض على 31 متهما بقضايا ابتزاز إلكتروني خلال شهرين فقط، وهو رقم يعتبره مراقبون ومدافعون عن حقوق المرأة مفزعا وقد يدل ربما عن وجود مئات الحالات غير المكتشفة.
ووفق بيان صدر عن جهاز الأمن الوطني العراقي فإنه: "بعد ورود شكاوى من المواطنين بخصوص تعرضهم لحالات ابتزاز إلكتروني، تمكن جهاز الأمن الوطني خلال شهري يونيو ويوليو من تنفيذ عمليات عدة، بعد استحصال الموافقات القضائية، ونصب كمائن محكمة أسفرت عن الإطاحة بواحد وثلاثين مبتزا حاولوا استغلال الضحايا عبر مساومتهن بمبالغ مالية، هذا وقد تم تقديم جميع المتهمين إلى الجهات القضائية المختصة لينالوا جزاءهم العادل وفقا للقانون".
ورغم أن حالات الابتزاز الإلكتروني تتعدد أشكالها وتطال مختلف فئات المجتمع، لكن النساء هم الضحايا الأكثر عرضة لهذه العمليات وفق الإحصائيات والبيانات الرسمية الحكومية، وكذلك تلك الصادرة من قبل المنظمات والهيئات الحقوقية والمدنية غير الحكومية على حد سواء.
وينجم عن تصاعد حالات الابتزاز الإلكتروني هذه، جملة مشكلات وأزمات اجتماعية وأمنية وفق خبراء رقميين وحقوقيين، حيث تتسبب مثل هذه العمليات بحوادث وجرائم تصل للقتل والخطف والتشويه الجسدي، وتفكك الأسر وارتفاع معدلات الطلاق.
وتعليقا على تصاعد وتيرة جرائم الابتزاز الإلكترونية بالعراق وتداعياتها السلبية، قال مؤمل أحمد شكير الخبير المتخصص في الأمن السيبراني، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" "يعتبر جهاز الأمن الوطني في العراق حاليا الملاذ الآمن لفئة كبيرة من المواطنين، لمواجهة ما يتعرضون له من ابتزاز، إضافة إلى الشرطة المجتمعية، وذلك من خلال عملياته المتواصلة دون هوادة للقبض على المبتزين".
وأوضح شكير شارحا التعقيدات وراء تفشي هذه الظاهرة الخطيرة بالقول: "هناك عدد كبير من المواطنين والنساء بشكل خاص لا يستطيعون اللجوء للأجهزة الأمنية بسبب الخوف من الأهل أو لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده، ولذلك ثمة حالات ابتزاز للعديد من النساء دفعت بعضهن لحد الانتحار أو تعرضهن للقتل من قبل ذويهن، كما حدثت حالات طلاق لنساء متزوجات قام بعض المبتزين بنشر صورهن على مواقع التواصل".
وفيما يتعلق بالنصائح "التقنية" للحدّ من خطر الوقوع في شراك الابتزاز إلكترونيا، بيّن شكير: "لا تقم بإرسال صورك الشخصية لأشخاص لا تعرفهم. تحقق أيضا من معلومات الأشخاص الذين توافق على إضافتهم في مواقع التواصل. من المهم أيضا تفعيل خاصية المصادقة الثنائية وتجنب الدخول إلى الروابط الوهمية أو تسجيل دخول في المواقع غير الآمنة، مع تجنب التعاطي مع الحسابات والمجموعات الخاصة الوهمية والمشبوهة".
من جهتها قالت سارة الحسني مديرة منظمة "ساندها لحقوق المرأة" بالعراق، في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية": "الابتزاز الإلكتروني من الجرائم الحديثة نسبيا التي ظهرت بعد انتشار منصات التواصل الاجتماعي بشكل واسع في المجتمع العراقي وخصوصا بعد وقوع جائحة كورونا المستجد، نتيجة إقبال الناس بصورة أكبر على الإنترنت ومواقع التواصل بعوالمها الافتراضية، وكذلك بسبب ضعف العلاقة الأسرية بين الأهل والضحية المبتزة إلكترونيا، ما يشجع على تزايد هذه الظاهرة لمعرفة المبتز أن الضحية سوف تتجنب إبلاغ ذويها خوفا من التقريع وحتى القتل، وأحيانا هي تضطر للهرب ويتم بعدها استغلالها لدوافع دنيئة عديدة من قبل شبكات الابتزاز والإتجار بالبشر".
وبالنسبة لأسباب الابتزاز الإلكتروني، توضح الحسني: "كل عملية ابتزاز بحد ذاتها تعتمد في تطور أسبابها ونتائجها على علاقة المبتز بالضحية المُبتزة، ولكن في العموم هنالك 3 أسباب بارزة تتسم بها غالبية دوافع وخلفيات عمليات الابتزاز الالكتروني".
وحددت الحسني ثلاثة أهداف رئيسية تقف وراء عمليات الابتزاز وهي:
الهدف المادي: يستخدم المبتز هنا كل المحتويات وهي غالبا صور ومقاطع فيديو، التي بحوزته وتخص الضحية بهدف الحصول على المال مقابل سكوته عن نشر هذا المحتوى. وهنا يتم استخدام الأسلوب التدريجي في الابتزاز، أي تبدأ العملية بالابتزاز بصور الضحية مقابل مبلغ معين، وبعد فترة يتم التفاوض على مقاطع فيديو، ويكبر تاليا المبلغ المطلوب، وكلما كان المحتوى أخطر صار المبلغ المطلوب توفيره للمبتز أكبر.
الهدف الجنسي: يعتبر هذا النوع من أخطر دوافع الابتزاز الإلكتروني ومن أكثرها خسة ووضاعة، حيث يهدف من الابتزاز استغلال الضحية جسديا مقابل السكوت عن نشر صورها.
الهدف الانتفاعي: يستخدم هذا النوع من التهديد والابتزاز ضد مسؤولين وصحفيين وشخصيات عامة ومعروفة في المجتمع، حيث يتم ابتزاز الضحايا هنا بنفس الطرق المستخدمة في أشكال الابتزاز الأخرى ولكن المقابل يختلف.
أما بالنسبة للحلول للتخلص من تفشي ظاهرة الابتزاز الإلكتروني ووضع حد لها، وطرق مجابهتها، فتقول الناشطة الحقوقية والمدنية العراقية :"يجب أن تتوجه الضحية بشكل مباشر لمركز شرطة أو الاتصال على الخطوط الساخنة المتوفرة للشرطة المجتمعية أو الأمن الوطني، وإطلاعهم على كل ما تعرضت له الضحية من ابتزاز وتهديد مع الأدلة والبراهين، كما يجب توعية وتثقيف الجميع وخصوصا الفتيات بأساسيات الأمن الرقمي والتعرف على أهم المصطلحات والتقنيات المستخدمة في هذا السياق، وكيفية المحافظة على الأجهزة الشخصية الخاصة من الوقوع في فخاخ الاختراقات وحماية سرية المعلومات، فضلا عن طرق حماية الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لتقليل مخاطر الابتزاز الإلكتروني، وتجنب إعطاء الثقة المطلقة لكل من نتعرف عليهم سواء في الواقع أو افتراضيا لتفادي الوقوع في مصيدة المبتزين".