على إيقاع الطبل، يتخذ يعقوب عمامته حزاما بعدما لف أكمام دراعته (عباءة) على قفاه، ثم يرسل طرفي العمامة من تحت ذراعيه ويحيط بها من وسطه مثبتا إياها بعقدة متينة، ثم يقترب من "المرجع" مطلقا صيحة مدوية.
لعبة الدبوس أو "أَنَيْكور" هي الرقصة الرجالية على الطبل في جنوبي موريتانيا، حيث يقول يعقوب في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه تعلمها منذ الطفولة.
وتابع: "كنت أشاهد الكبار يتفننون فيها، فأقلد ما يفعلون أنا وأصدقائي حتى أصبحنا ماهرين في الرقصة".
ويعتقد الباحث والشاعر الشعبي محمد أحمد الميداح أن "أنيكور" تشبه المبارزة على غرار ما كان يقوم به القدماء، حين كانت الأسلحة مقتصرة على السيوف والنبال.
ويوضح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هذه الرقصة تجذرت في الأوساط الشعبية، وهي تؤدى على إيقاع الطبل ويصحبها تصفيق النساء اللواتي يدخلن مشجعات في المرجع (وهو المساحة التي تدور فيها المبارزة ويحفها المتفرجون من كل جانب). ويستخدم كل مبارز عصا غليظة تسمى أتاش أو اثنتين، حسب مهاراته وسرعة تحركه".
ويبرز مدير مركز "ترانيم" للفنون الشعبية محمد عالي بلال مكانة العصا عند سكان الصحراء، وحضورها القوي في الثقافة المجتمعية الموريتانية، قائلا: "دعت الضرورة والبيئة إلى توظيف العصا في البداية كسلاح قبل أن تتحول إلى وسيلة للترفيه الفلكلوري، وتستخدم في لعبة شعبية لها ضوابط وقواعد".
واستطرد بلال في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "أنيكور" أو "لعب الدبوس" من أشهر الألعاب والرقصات التقليدية الموريتانية وهي تحاكي المبارزة بالسيوف، لكن "المبارزة فيها تكون بالعصي، ولا توقع ضحايا، فمبارياتها تنتهي كما بدأت لا خاسر ولا منتصر، لأن الهدف هو التسلية والترفيه".
وخلال المبارزة، تضرب النساء الطبول وتطلق الزغاريد من أجل بث الحماس بين المتنافسين.
ويوضح مدير مركز "ترانيم"، أن "اللعبة تجرى بين مبارزين بالعصي في العادة، وقد يتبارز واحد مع اثنين أو ثلاثة حسب خبرته وقوته".
ويعد لاعب "أنيكور" شخصية مهمة يتهافت الناس على دعوته إلى مناسباتهم رغم أنه لا يتكسب منها في السابق في المناسبات الاجتماعية، لكن في السنوات الأخيرة ومع بداية الأنشطة المختلفة لمركز "ترانيم" وتنظيمه عدة أنشطة من أجل نفض الغبار عن هذه الأنماط الموسيقية الفلكلورية في الوسط الحضري، ظهر اهتمام جديد من طرف الإعلام والمهرجانات الثقافية بهذا التراث، فأصبحت هذه الفنون مصدر رزق للكثير من ممارسيها.
ويعد "أنيكور" لعبة قديمة تحديدا في منطقة الترارزة جنوبي موريتانيا من دون باقي مناطق البلاد الأخرى، ويمثل العرب السمر أكثر ممارسيها، خصوصا أنهم أصحاب الطبل.
وحسب بلال فإنه "لا يعرف لها تاريخ محدد بشكل حصري، إلا أن هناك بعض الروايات الشفوية تقول إن اللعبة ذات طابع قتالي قائم على الدفاع عن النفس بالدرجة الأولى، قبل أن يتحول إلى طابع فلكلوري".
ويوضح الباحث أن "هذه الفكرة كانت تقوم على أساس الحاجة إلى القدرة على الدفاع عن النفس أثناء الصراع على الماء في منطقة معروفة بشح الموارد وعمق الآبار مع ندرتها، وبالتالي تأخذ شكل شجار يستهدف أو يركز على إصابة رأس الخصم من أجل القضاء عليه أو إضعافه".
ويقوم لعب الدبوس على مجموعة من الحركات التي يدخل بها اللاعب الحلبة، منها رمي العصا إلى الأعلى مصحوبة بصرخة عالية قبل الالتحام مع الخصم، ليبرز قوته ويثير حماس الجمهور، وكل ذلك على سبيل الإحماء والتحضير.
ويبين بلال أن "أنيكور ارتبط بالزجية (الصرخة) التي كلما كانت مرتفعة وقوية كانت تثير الحماس والرعب في نفوس المنافس في نفس الوقت، وهي ميزة وعلامة للعب الجيد للدبوس".
وتظل دائما القفزة إلى الأعلى المصحوبة بصرخة من الصور الجمالية في "أنيكور"، حيث كانت لا تقل جمالية عن اللعب في حد ذاته، وقد تميز واشتهر بها بعض اللاعبين.
ولهذه اللعبة مجموعة تقنيات منها "اشويطره" وهي اللعب بسرعة، و"آمشيل" وهي اللعب ببطء، بالإضافة إلى القفز بشكل دائري.