بين ليلة وضحاها نزعت عائشة مكرهة وهي في ربيعها السادس عشر، ثوب الطفلة، وارتدت عباءة السيدة المتزوجة، بعد أن قررت أسرتها تزويجها برجل يكبرها بما يزيد على 20 عاما.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، قالت عائشة التي بلغت من العمر 23 عاما الآن: "تجربتي كابوس لا أود النبش في تفاصيله. تخلصت من ذكرياته المؤلمة بعد حصولي على ورقة الطلاق التي اعتبرها شاهدة ميلاد جديد وفرصة ثانية في الحياة".
وتتابع الشابة المنحدرة من ضواحي مدينة الجديدة وسط المغرب، أنها تحاول جاهدة لفت نظر باقي بنات قريتها وأهاليهم إلى المخاطر التي يخفيها الزواج المبكر، و"آثاره المدمرة على حياتهن بعد أن يتجردن من طفولتهن" وفقا لتعبيرها.
وعائشة واحدة من بين آلاف الفتيات اللواتي حصلن على ترخيص استثنائي، بعد التقدم بطلب لقاضي الأسرة المكلف بالزواج بغرض الحصول على إذن "زواج القاصر" (أقل من 18 عاما)، طبقا لما يخوله القانون من سلطة تقديرية للقاضي في المغرب، وما ينص عليه الفصل 20 من مدونة الأسرة المغربية (مدونة الأحوال الشخصية) لعام 2004.
وكشف تقرير أصدرته النيابة العامة المغربية العام الماضي، أن محاكم المملكة استقبلت سنة 2020 نحو 20 ألف طلب للسماح بزواج قاصرات، تمت الموافقة على أكثر من 13 ألفا منها.
ظاهرة مقلقة
وعاد النقاش حول ظاهرة تزويج القاصرات ليطفو من جديد على السطح في المغرب، خصوصا بعد أن كشف وزير العدل عبد اللطيف وهبي أن زواج القاصرات بات يشكل 7 بالمائة من حالات الزواج في المملكة.
ودعا الوزير خلال مداخلة له في مقر مجلس المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان، إلى وضع نصوص قانونية للحد من انتشار هذه الظاهرة، بسبب انعكاساتها السلبية على حياة الفتيات.
وقال وهبي إن "ظاهرة تزويج القاصرات لم تعد منتشرة فقط في المناطق القروية، بل أصبحت تسجل في الوسط الحضري والمدن الكبرى، مثل الدار البيضاء".
وأضاف وزير العدل المغربي أن أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن الولادة يسجل لدى الزوجات القاصرات، كما لفت إلى ارتفاع نسب التسرب المدرسي بسبب الظاهرة.
الفقر والأمية أسباب رئيسية
وتسعى فعاليات حقوقية ومدنية مدافعة عن حقوق المرأة في المملكة إلى التوعية عبر حملات متواصلة طيلة السنة، بالمخاطر التي ينطوي عليها زواج القاصرات سواء على الفتاة القاصر أو على المجتمع ككل.
ومع ذلك تعتقد رئيسة منظمة "إيلي" لحماية الفتاة فوزية أولكور، أن الحملات التوعوية التي تقودها الفعاليات المدنية تظل غير كافية للحد من هذه الظاهرة، التي تواصل الانتشار في بعض مناطق المملكة.
وتعتبر أولكور أن زواج القاصرات ينطوي على آثار وعواقب وخيمة على الطفلة سواء على المستوى النفسي، بسبب عدم قدرتها على تحمل مسؤولية المنزل ورعاية الأطفال، أو على مستوى الصحة الجسدية.
كما ترى أولكور في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن هناك رابطا وثيقا يربط زواج القاصرات والفقر والأمية، مشددة على أن "هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على المناطق القروية، بل باتت تشمل المدن وهوامشها أيضا".
وتشير المتحدثة إلى أن التصدي لظاهرة زواج القاصرات أو الحد منها يتطلب اعتماد مقاربة تشاركية بين كل المتدخلين، بقصد معالجة المشاكل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المؤدية إلى انتشار هذا النوع من الزواج.
مطالب بتعديل القانون
وتكتمل أهلية الزواج في المغرب بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية 18 سنة، وفق المادة 19 من مدونة الأسرة.
أما المادة 20 من المدونة فتخول للقاضي صلاحية اتخاذ قرار منح الإذن بالزواج بعد التحري عن مصلحة القاصر، وبقرار يذكر فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
وتثير هذه المادة القانونية جدلا واسعا بين الحقوقيين، الذين يحذرون من تحول الاستثناء إلى قاعدة، ومن استغلال ثغرات قانونية لإنتاج واقع يتعارض مع فلسفة المشرع ويساهم على نقيض ذلك في تكريس تفشي ظاهرة تزويج القاصرات.
وتقول المحامية والناشطة الحقوقية زهور الحر، إنه "على طريق إلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة، وتحديد سن الزواج في الثامنة عشر كما هو منصوص عليه في المادة 19 من المدونة، فقد بدأ القضاة في اعتماد عدد من الإجراءات للحد من ظاهرة زواج القاصرات".
وتتمثل هذه الإجراءات حسب الحر التي تحدثت لموقع "سكاي نيوز عربية"، في عدم قبول القاضي طلب زواج قاصر سنها أقل من 17 عاما، مع إجراء خبرة طبية من طرف طبيب مختص وبحث اجتماعي وسط محيطها، مع ضرورة الاستماع إلى الخاطب.
وتشدد المتحدثة على أن "هذه الظاهرة لا ترتبط فقط بالشق القانوني بل أيضا بما هو اجتماعي وثقافي"، وتعتبر أن الهشاشة والفقر والتسرب المدرسي من أهم مسبباتها".
وتستطرد أن "المكان الطبيعي للفتاة القاصر هو المدرسة وليس بيت الزوجية"، داعية إلى تضافر جهود جميع مكونات المجتمع من أجل محاربة هذه الظاهرة السلبية والقضاء عليها بكل الطرق الممكنة.