14 قتيلا وعشرات المصابين و60 مدانا أمام القضاء كانت حصيلة خصومة ثأرية امتدت لقرابة نصف قرن، بين عائلتين في محافظة قنا جنوبي مصر، لكن مؤخرا نجحت الجهود الشعبية بمساعدة نائب برلماني في إتمام صلح تاريخي أنهى الخصومة التي تسببت في تهجير قسري لبعض الأهالي من قراها.
وبدأت الخصومة عام 1975 بين عائلتي العرب والهوارة، اللتين تقطنان قريتي حمرة دوم ونجع الشيخ نور الدين بمركز نجع حمادي، نتيجة مشاجرة سقط فيها قتلى من إحدى العائلتين، ومنذ ذلك الوقت بدأت رغبة العائلة الأخرى في الأخذ بالثأر، وكلما أسقطت عائلة قتيلا من الأخرى ردت عليها الثانية بالمثل، حتى أطلق على المنطقة شعبيا "منطقة الدم والنار".
واستمر الوضع بحسب شهود عيان حتى تساوت العائلتان في عدد القتلى، أي 7 من كل طرف، وهو ما استند إليه من قاموا بمبادرة الصلح مؤخرا لإقناع الطرفين بضرورة حقن الدماء.
حاتم صبري من قرية حمرة دوم، وهو أحد أطراف الخصومة، قال لموقع" سكاي نيوز عربية": "عشنا دوامة الدم 47 سنة بلا هوادة. سقط من سقط وأُعدم من أُعدم، وحاول الوسطاء كثيرا منذ سنوات إنهاء الخصومة لكن لم يستطع أحد أن يوفق وجهات النظر، ومن كان يأتي للمصالحة ويجد رفضا لا يحاول مرة أخرى".
وأضاف صبري: "قبل عام طرح رجال المصالحات بقيادة عضو مجلس الشيوخ أسامة الهواري مبادرة. كان يأتي بشكل يومي إلى القريتين للتوفيق بين الطرفين مما جعلنا نستجيب لأننا استشعرنا أنهم جادون، وأتممنا الصلح في مركز شرطة نجع حمادي ووجدنا ترحيبا كبيرا من الأمن من أجل إنهاء الخصومه وإيقاف طلقات الرصاص التي تعودنا عليها منذ عام 1975، حتى إننا كنا في القريتين لا نعرف من منا سيموت أو سيكون عليه الدور غدا".
ومن جهة أخرى، قال ماهر صابر عضو لجنة المصالحات في محافظة قنا لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "وقف الدم يحتاج إلى عزم وصبر، وهذا ما فعلته لجنة المصالحات هذه المرة. لم نهدأ وكنا نذهب للقريتين بشكل يومي حتى الفجر لإنهاء الخصوبة وغيرها من الخصومات الثأرية، خاصة أن طرفيها في كثير من الأحيان كانا مجبرين على ارتكاب جرائم الثأر، لأنهما لم يجدا من يوقف عجلة الدم سواء بـ(القودة)، أي حمل الكفن من الخصم لخصمه طالبا العفو، أو بالرضا بأحكام القضاء".
وقال عطفي السيد من نجع الشيخ نور الدين، أحد أطراف الخصومة أيضا، إنها "المرة الأولى منذ عقود التي نتصافح بها مع الطرف الآخر. ذهبنا سويا لمركز شرطة نجع حمادي لنوثق الاتفاق ونتعهد بالصلح ونحدد مكانه ونطوي صفحة الدم التي حصدت خيرة أبناء القريتين، وحوكم بسببها العشرات. هناك من صدر عليه حكم بالإعدام أو المؤبد. أصوات الصراخ كانت لا تتوقف في القريتين".
وعن أسباب استمرار الخصومة الثأرية لما يقرب من نصف قرن، قال عطا الله محمد من لجنة المصالحات لموقع "سكاي نيوز عربية": "كان هناك من يغذي الخصومة مرة بالقبلية وأخرى من جانب تجار السلاح الذين يرغبون في بيعه للقريتين، والضحايا هم أبناء القريتين، لكن بفضل الله استطعنا كلجنة مصالحات أن نوقف حمام الدم ونصلح بين العائلتين، وفي انتظار إقامة سراق كبير يجتمع فيه أطراف القريتين قريبا بعد توقيع وثائق الصلح".
وقال عضو مجلس الشيوخ المصري أسامة الهواري لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "هذا الصلح تطلب جهدا متواصلا لمدة عام لإقناع أطراف الخصومة بأهمية السلام لهم ولأبنائهم. نتيجة هذا الثأر المتبادل والمتواصل تعطلت عجلة التنمية في القريتين وفي مناطق أخرى من صعيد مصر، مما حرم الأبناء الكثير من حقوقهم التي توفرها التنمية".
وأوضح الهواري أن "هناك ضمانات كافية لعدم نقض الصلح مرة أخرى، أولها اقتناع الطرفين بأنهما خسرا كثيرا من الثأر، فضلا عن تقديم أوراق قانونية للنظر في إعادة محاكمة من أدينوا في تلك الخصومات الثأرية"، مشيرا إلى أنه "يتم حاليا استصدار الموافقة اللازمة من الشرطة لإقامة سرادق كبير في قرية حمرة دوم، بحضور كبار رجال الصعيد لإتمام الصلح وطي تلك الصفحة القاتمة".
تجدر الإشارة إلى أن مبدأ الثأر ينتشر بشكل كبير في صعيد مصر، وكثيرا ما عالجته الدراما في أعمال فنية أشهرها مسلسل "ذئاب الجبل" الذي حقق شعبية كبيرة وقت عرضه لأول مرة عام 1992.