بمجرد أن يفرغ كمال من تناول طعام الإفطار حتى يغادر بيته متجها إلى مقهاه المفضل، الذي يقع في قلب المدينة القديمة بالعاصمة تونس، أو ما يعرف هنا بـ"المدينة العربي"، ليواصل كمال سهراته الرمضانية هناك.

وعلى غرار كمال، يحبذ الكثير من التونسيين قضاء سهرات الأيام الأخيرة من شهر رمضان بمقاهي مدينة تونس العتيقة، أو بين محالها المتلاصقة والمنسجمة في هندستها مع تاريخ المدينة وخصائصها العمرانية.

ويقول كمال (39 عاما)، لموقع "سكاي نيوز عربية": "ليالي المدينة العتيقة رائعة، لكنها تزداد روعة ومتعة في شهر رمضان. منذ سنوات دأبتُ على تمضية بعض الوقت للترفيه أو حضور بعض الحفلات الموسيقية مع عائلتي، المدينة العتيقة مكان ملهم ورائع، ومقاهيها مكان يريح النفس ويبعث فيها الحياة والتفاؤل".

ملامح مميزة

ولمدينة تونس العتيقة في رمضان طابع روحي وملامح تميزها عن غيرها، فالمقاهي على كثرتها، تبدو مزدحمة خاصة خلال العشر الأواخر من شهر الصيام حتى ساعات الفجر، وعادة ما تكون المشروبات التي يتم إعدادها في تلك المقاهي، تماهي المكان وتبعث في النفس إحساسا خاصا.

وترتبط مدينة تونس العتيقة، في المخيلة الشعبية التونسية ارتباطا وثيقا بشهر رمضان، إذ إنها المنطقة الأكثر اجتذابا للزائرين ممن يريدون استرجاع ذكريات الزمن الجميل لهذه المدينة الضاربة في أعماق التاريخ والتي تضم العديد من المعالم الدينية والحضارية والتاريخية.

وتستقطب مقاهي "المدينة العربي" روادها من المولعين بتدخين الشيشة وتناول الشاي الأخضر بالنعناع أو باللوز أو "القهوة العربي"، التي يتم إعدادها على الفحم.

لكل مقهى حكاية

وفي المدينة العتيقة بتونس، يبدو لكل مقهى تاريخ وحكاية، فمقهى سوق "الشواشين" يقع في حي يحمل الاسم نفسه، ويوجد به محال صنع الشاشية التونسية الأصيلة، ويعود تاريخ المقهى إلى نهاية القرن التاسع عشر.

ويرى زين العابدين بالحارث رئيس جمعية "تراثنا" التونسية، أن "مدينة تونس العتيقة تتميز بطابعها المعماري الخاص وأحيائها المتناسقة وهندستها الجميلة، كما أن مقاهيها ومحالها العامة الضاربة في أعماق التاريخ تجعلها وجهة محبذة لقضاء سهرات رمضان، خصوصا أن الكثيرين يجدون متعة في استرجاع نمط الحياة السابق بما فيه من إحياء للعادات والتقاليد الرمضانية التي اندثر أغلبها."

وقال بالحارث لموقع "سكاي نيوز عربية": "الخصوصيات المعمارية للمدينة العتيقة تحاكي فترات هامة من تاريخ تونس وتختزل العادات والتقاليد التي تميز العائلات التي سكنت تلك المنطقة في أوائل القرن التاسع عشر، كما أن المعالم الدينية العريقة مثل جامع الزيتونة المعمور، ثاني أكبر جامع في البلاد، والأسواق العتيقة والمقاهي القديمة هي التي تستقطب الزوار. التونسيون يحنون إلى الزمن الجميل الذين افتقدوه في العصر الراهن.

وتابع: "كان سكان مدينة تونس العتيقة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين يولون شهر رمضان أهمية كبرى، حتى في طريقة الاحتفاء به وارتداء ملابس تقليدية لها علاقة مع الشهر الكريم مثل الجبة والشاشية والبلغة (النعل)، والتي لا يزال الكثيرون يحافظون عليها حتى الآن حين يرتادون دور العبادة مثل جامع الزيتونة المعمور، الجامع الذي يمثل رمزا للمدينة العتيقة وركنا أساسيا في تاريخها ومعمارها ودافعا جعلها قبلة العامة والخاصة".

أخبار ذات صلة

رغم المصاعب الاقتصادية.. ليالي رمضان تنعش الحياة في تونس
"لو يرجع رمضان زمان".. نوستالجيا مسرحية تحتفل بالشهر الفضيل

جامع الزيتونة

وينتصب جامع الزيتونة المعمور، أو الجامع الأعظم، ثاني أقدم الجوامع في تونس في قلب المدينة العتيقة، ويعد أول منارة علمية وجامعة للتدريس في العالم الإسلامي بجانب وظيفته الدينية.

وخلال شهر الصيام، يصبح جامع الزيتونة قبلة للمتعبدين الذين يتوافدون عليه من أماكن كثيرة لأداء الصلاة وخاصة التراويح، فيما يحتضن الجامع إحياء ليلة القدر، ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، وذلك بحضور اكبر المشايخ والفقهاء في تونس.

ويمتاز الجامع الذي تأسس في سنة 698 ميلادي (79 للهجرة)، بمساحته الشاسعة ومعمارها البديع المستوحى من التراث المعماري الأندلسي كما أنه يحمل وظيفة تعليمية كبرى كونه شهد تخرج أكبر الفقهاء وعلماء الدين في تونس والعالم العربي.

محال الحلويات والملابس

وفضلا عن المعالم الدينية والمساجد والمقاهي، تجتذب محال بيع الحلويات والملابس في المدينة العتيقة الكثير من الحرفاء في آخر أيام رمضان.

وتعرض هذه المحال أصنافا خاصة مثل المقروض أو الكعك أو "الدبلة" وغيرها من الحلويات التي نصنعها بشكل تقليدي، تشهد هذه الأصناف إقبالا كبيرا في رمضان.

وفي حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، يقول نصر الدين وهو بائع حلويات تقليدية: "تتزامن الأيام الأخيرة من شهر الصيام مع ارتفاع وتيرة الحركة".

وتابع: "نستقبل هنا يوميا مئات الزبائن ممن يقتنون سائر أصناف الحلويات، أعتقد أن المكان يساهم بدوره في ارتفاع نسق الإقبال على شراء الحلويات".