رغم براعة المصريين في فن النحت، وتركهم آثارا يقف العالم انبهارا أمام روعتها، فإن ثمة ملاحظة تكاد تكون عصية على التفسير، وهي وجود الكثير من التماثيل والمنحوتات، وحتى النقوش على الجدران، مكسورة الأنف، مما يجعل السؤال يتبادر إلى الذهن حول السبب وراء تلك الظاهرة التي قد تبدو غريبة.
ويجيب على هذا التساؤل المؤرخ المصري، بسام الشماع، مبينا أن "الأنف يعد واحدا من 3 أعضاء تكون أضعف من غيرها في أي تمثال، وهذه الأعضاء هي الأذنين والرقبة والأنف، ومن ناحية أخرى فإن أي بروز في التمثال يسهل كسره، سواء بيد بشرية أو بعوامل الطبيعة، ولا يوجد دليل واضح ملموس بشكل مباشر عن سبب كسر أنوف هذه التماثيل، أو من المسؤول عنها".
أنف أبو الهول
وأضاف: "أنف أبو الهول على سبيل المثال لم يحطم بعوامل طبيعية متعلقة بالطقس مثل الرياح والأمطار والبرق والصواعق، رغم تحطم جزء من تمثال أبو الهول بفعل صاعقة لكن لم يكن الأنف".
واستطرد: "عندما ننظر إلى أنف أبو الهول نجد ثقبا كبير في أعلاه وثقبا أسفله، مما يشير إلى تكسير فوق الأنف وتحته بشكل أدى لسقوطه، لكن لم يتضح حتى الآن بشكل جازم من قام بهذا الفعل، وقد أثبت التاريخ أن نابليون بونابارت لم يكسر أنف أبو الهول، فيما ذكر المؤرخ المقريزي أن شخصا يسمى (صائم الدهر) كسر الأنف خوفا من عبادة أبو الهول، ولا يمكن التعويل على هذه الرواية بشكل قطعي مع احترامنا للمقريزي".
وبيّن الشماع أنه "لا توجد أدلة مكتوبة حول سبب كسر أنوف تماثيل الفراعنة، لكن يمكن القول إنه في مقابل وجود عدد كبير من التماثيل بأنف مكسور، هناك تماثيل كثيرة غير مكسورة الأنف، وفي المتحف المصري توجد أعداد كبيرة من التماثيل بعضها مكسور الأنف وبعضها غير مكسور، مما يكشف أن عملية تكسير الأنف لم تكن ممنهجة على كل التماثيل، وأن الموضوع كان نسبيا".
فكرة رمزية
واستمر الشماع في توضيح الدوافع لكسر التماثيل، قائلا: "المصري القديم كانت ثقافته في التحية اقتراب الأنف من الأنف، وكان تكسير الأنف يعني أن الشخص لن يستطيع التحية، وكسرها نوع من الإهانة لصاحب التمثال، كما أن هناك عاملا آخرا هو أن الأنف أول شيء في الوجه، وربما فكرة تكسيره كان ينظر إليها على أنها رمز على تكسير مقدمة الشخص، خاصة وأنه جزء سريع الكسر، ويمكن فعل ذلك في الخفاء".
كما تطرق المؤرخ المصري إلى "فكرة النَفَس" عند المصري القديم، موضحا أنه "توجد نصوص دينية يطلق عليها نصوص الأنفاس، وهي جزئية لها علاقة بطقس ديني، وعند كسر الأنف يقلل ذلك من قيمة صاحب التمثال بحسب هذه الفكرة".
وتابع: "إضافة إلى أن الأنف عضو مهم في جسم الإنسان عند المصري القديم، وكانت هناك عادة قديمة في عهد اليونانيين، أن الإنسان عندما يموت كانوا يجلسون بجواره للحصول على آخر نفس منه، وكل هذه العوامل تشير إلى أهمية الأنف، ما يبرر التركيز عليه".
قوة صورة النقوش
ولفت الشماع إلى أنه في معابد فيلة بأسوان، نجد كسورا في النقوش على الحائط وكَشْط في صور الملك في اليدين والقدمين والوجه والكفين، مع ترك باقي الجسم وما يلبسه الملك دون أي كشط.
وأشار إلى أن "تلك عملية تهدف لشل الأعضاء المهمة التي سيستخدمها الملك في الحياة الأخرى، بحسب الثقافة المصرية القديمة، فكشط القدمين حتى لا يسير بها صاحب التمثال في الحياة الأخرى، وكشط يديه حتى لا تعطي هدايا للمعبودات، كما يتم تكسير وجه الملك في النقش حتى لا يتعرف عليه المعبود في الحياة الأخرى".
وأضاف: "كان يتم إهمال باقي الأشياء في التمثال، والهدف إزالة قوة الصورة، فمن قام بالتكسير كان يعتقد في قوة المنظر المنقوش على الجدران، ومن يقوم بالتكسير شخص يعرف ما تؤمن به وتعتقده، وبالتالي يستهدف الأمر بشكل ديني".
وخلص الشماع في تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "تحطيم الأنف في التماثيل المصرية القديمة تم بشكل غير ممنهج وعلى مختلف العصور لأسباب مختلفة، لكن بشكل أساسي من قام بذلك هم المصريون القدماء، الذين كانوا يعتقدون في قوة النقوش والمنحوتات وكانوا يريدون كسر الأشياء لنزع قوة هذه الصور والتماثيل".