أعلنت المجاهدة الجزائرية جميلة بوباشا (84 عاما) عن رفضها لمنصب عضو مجلس الأمة "سيناتور"، وذلك بعدما تم اختيارها ضمن الثلث الرئاسي من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. فما قصة هذه المجاهدة التي ألهمت كبار الفنانين والكتاب في العالم؟
وعقب إعلان التلفزيون الجزائري لقائمة أعضاء الثلث الرئاسي لمجلس الأمة، وجهت بوباشا رسالة إلى الرأي العام الجزائري، قالت فيها إنها رفضت الاقتراح الذي عرضته عليها الهيئات الرسمية وشكرتهم على الثقة.
وأضافت المجاهدة: "لهذا أود أن أعلم الرأي العام أن جميلة بوباشا لن تكون ضمن الثلث الرئاسي المعين. لقد خدمت بلادي كمجاهدة إلى جانب إخوتي وأخواتي وعدت بعدها إلى حياتي كمواطنة وأريد أن أبقى كذلك".
مسافة الأمان أم تهميش
وقد لقي قرار المجاهدة ترحيبا كبيرا في الأوساط الشعبية والثقافية في الجزائر.
وقال الكاتب والروائي سعيد بوطاجين: "شكرا للمجاهدة الرمز، لأنك امتنعت عن الالتحاق بمجلس الأمة في هذه السن لتثبتي أن الكبار كبار، تاريخك يكفيك وأزيد، ما أبهاك".
واعتبر الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية، جمال يحياوي، أن قرار المجاهدة الجزائرية يحمل العديد من الدلالات التاريخية، ويفسر جوانب من علاقة المجاهدين الكبار بالسلطة بعد الاستقلال.
وقال يحياوي، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن هذه الخطوة "لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياسية".
وأوضح المدير السابق للمركز الوطني للبحث في الحركة الثورية، أن الدولة لم تكن عادلة ومنصفة في تعاملها مع بعض المجاهدين بعد الاستقلال، حيث طفت على السطح صراعات وخلافات بين العديد من التيارات منذ عام 1962، وقد تجسد ذلك في توزيع الحقائب الوزارية والمناصب القيادية منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين.
وذكر يحياوي: "ربما شعرت المجاهدة بنوع من التهميش طيلة حياتها وهي لا تود أن يستخدم اسمها بأي شكل من الأشكال بعدما ناهزت سن الـ84 عاما".
وقد ضمت قائمة الثلث الرئاسي العديد من الأسماء التاريخية، وهي ليست المرة الأولى التي يجلس فيها مجاهدون كبار على مقعد مجلس الأمة، أبرزهم على الإطلاق الرئيس الحالي للمجلس صالح قوجيل، الذي يعتبر أحد رموز الثورة الجزائرية.
كما سبق وأن شارك في عضوية المجلس ضمن الثلث الرئاسي في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، كل من المجاهدة الكبيرة زهرة بيطاط والراحل ياسف سعدي، اللذين يعتبران من أبرز رفاق درب جميلة بوباشا في الكفاح.
مقابل ذلك، يحيلنا موقف بوباشا إلى العديد من المجاهدين الجزائريين الذين رفضوا الحصول على امتيازات السلطة أو تولي الحقائب الوزارية أو المناصب سامية، على غرار المجاهدة جميلة بوحيرد والراحل لخضر بورقعة، اللذان اتخذا مسافة الأمان مع السلطة ورفضوا منصب السيناتور، الذي عرضه عليهم بوتفليقة عدة مرات.
جميلات أبهرن العالم
ولدت جميلة بوباشا في 9 فبراير عام 1938ببلدية بولوغين بأعلى الجزائر العاصمة، وقد نشأت وسط أسرة ثورية، وقد تدربت في مستشفى بني مسوس لتكون ممرضة، لكنها لم تحصل على شهادة التدريب بسبب هويتها الجزائرية.
وتقول بوباشا، في حوار نادر أجرته عام 1972مع قناة المعهد الوطني للسمع البصري بفرنسا: "لتحقت بالثورة عام 1955 وكان عمري حينها 17 عاما وقد قررت الانخراط في صفوف جبهة التحرير".
وقد تم اعتقالها في 9 فبراير 1960 المصادف ليوم عيد ميلادها، على خليفة قيامها بوضع العديد من القنابل في مناطق تجمع الفرنسيين في العاصمة، لتتعرض لأبشع أنواع التعذيب ويحكم عليها بالإعدام.
وقد عرفت قصتها تعاطفا كبيرا من المثقفين والشخصيات العالمية، وفي مقدمتهم الكاتب الفرنسي جون بول سارتر والرسام العالمي بابلو بيكاسو الذي رسمها في لوحة، تقدر حاليا قيمتها بـ400 مليون يورو.
وتطوع العديد من المحامين للدفاع عنها وعلى رأسهم المحامي الشهير جيزيل حليمي، كما دافع عنها الرئيس الأميركي جون كنيدي والزعيم الصيني ماوتسي تونغ.
وقد كتبت الفيلسوفة الفرنسية الراحلة سيمون دو بوفوار، عام 1960، مقالا مطولا في صحيفة "لوموند" الفرنسية، تحكي فيه للعالم معاناة جميلة بوباشا.
وقالت دوبوفوار، في مقالها المعنون بـ"من أجل جميلة بوباشا"، الذي جاء على شكل نداء للرأي العام العالمي:"في ليلة 10 إلى 11 فبراير، اقتحم حوالي خمسين حارساً ومفتشا للشرطة المنزل الذي تعيش فيه جميلة مع والديها، ضربوها هي ووالدها وصهرها، لقد داس الجنود، بمن فيهم نقيب المظليين، على جميلة وحطموا ضلعها، قاموا بتوصيل أقطاب كهربائية، قاموا بربط ساقيها وفخذها ووجهها بالكهرباء، لقد علقوا جميلة بعصا في حوض الاستحمام وعذبوها بأبشع الطرق".