في مطلع أربعينيات القرن الماضي، كان أحد منازل محافظة الدقهلية في مصر يبتهج لقدوم صغيرة أسموها "آمال"، التي قررت بعد عقود طويلة إمداد الأمل للكثيرين الذين قست عليهم الدنيا وأبعدتهم عن العلم.
وانتهت رحلة الطفلة "آمال" كغيرها من بنات جيلها في الصف الثاني الإعدادي في مدرسة العائلة المقدسة، حيث يسود الاعتقاد بأن الفتاة "ليس لها غير الزواج وتكوين أسرة ولا داع لمصاريف إضافية في التعليم".
"فاقد الشيء لا يعطيه"، يؤمن البعض بهذه المقولة، لكن "آمال" لا تعتقد بها، إذ منحت أبناءها الأربعة ما حُرِمت منه.
وقررت أن ترى فيهم حلمها، فتقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "قلت لنفسي التربية السليمة هي الأهم في تلك المرحلة، ربيتهم على أن يكونوا نافعين وذخرا حقيقيا لمصر، فالتربية المميزة تنبع من المنزل وتنعكس على الأبناء".
وبنبرة الفخر والاعتزاز حكت آمال أن أبناءها الأربعة "حصلوا على أعلى الدرجات وأكملوا تعليمهم للحصول على الدكتوراه، فلدي اثنين أطباء واثنين مهندسين وبمشيئة الله سيكونوا عونا لمصر في مجالاتهم".
قصة آمال نحو استكمال دراستها بدأت بعد 38 عاما من التوقف عند الصف الثاني الثانوي: "شعرت في تلك الفترة أن حلمي بتميز أبنائي قد تحقق، ولابد وأن أحقق حلمي الشخصي باستكمال دراستي والالتحاق بالجامعة دون النظر إلى السن الذي من الممكن أن يسبب عائقًا للبعض".
عندما تخرج من منطقة الراحة لتحقق الإنجازات
الحياة تبدأ بعد السبعين
في بداية السبعينيات من العمر حصلت آمال إسماعيل متولي على الثانوية العامة، وقالت: "كنت فرحة للغاية، فالله وفقني وساعدني على تحقيق الخطوة الأولى نحو حلمي، وبسبب حبي ونهمي الشديد للقراءة التي من الممكن أن أقضي معها عدد من الساعات يوميا، قررت دخول كلية الآداب قسم الاجتماع".
على أبواب الكلية وقفت السيدة السبعينية تحلم بالتميز قائلة لموقع "سكاي نيوز عربية" إنها استطعت تحقق "النجاح الكبير في السنة الأولى، وكان لدي ترتيب على الدفعة في تلك السنة، غير أن في عامي الثاني جلست في المنزل لـ6 أشهر نتيجة إصابة رجلي بكسر شديد، لأفقد تواجدي في الكلية ومعه الترتيب على الدفعة الذي كنت أسعى لتحقيقه".
هذا الظرف القاسي لم يدع أكبر طالبة علم في مصر أن تستكمل حلمها، وقالت: "سنوات واستطعت التخرّج من الكلية بتقدير جيد، وسط دعم كبير من أساتذتي الذي كانوا يعلمون مدى تقديري واحترامي لهم، لدرجة أنني طوال الوقت كنت حاضرة جميع المحاضرات ولا أغيب أبدا إلا لظروف طبية".
من رحم الألم يولد الأمل
تتذكر "آمال" عددا من التجارب القاسية التي ألمّت بها وتروي: "أصبت مرتين بالسرطان، وكان هذا الأمر لا يمثل لي إلا تحديا آخر نحو استكمال ما حلمت به، وساندني فيه زوجي الذي كانت وفاته مؤلمة لي، ولكنني أخذتها الإنطلاقة نحو الحصول على الماجستير".
في عمر التاسعة والسبعين حاليا وتعمل الطالبة المصرية على الانتهاء من مرحلة الماجستير، "قاربت على نهاية تلك المرحلة التي لن تكون النهاية، فأتطلع للحصول أيضًا على درجة الدكتوراة طالما كان في العمر بقية".
رسالة السعي والاجتهاد، هكذا أسمتها "آمال" موجهة إياها للشباب الطامح في التميز والعلم: "لا تيأسوا أبدا، تحدثوا مع اليأس والمرض وقولوا لهم أنكم أقوياء وتستطيعون هزيمتهم، ولا تيأسوا أيضا من رحمة رب الكون لأنه بجواركم ويشعر بكم، ويرسل إليكم الدعم والمدد في الوقت المناسب".