يعاني اللبناني أزمات متعددة طالت مختلف الخدمات اليومية الحياتية وصولا إلى النظافة الشخصية، فبعد أن باتت المياه الساخنة بالكاد تكفي لاستحمام عائلة مؤلفة من 3 أفراد، لجأ البعض، بعد الانقطاع الكبير للتيار الكهربائي وشح المياه، إلى خدمات الحمامات الشعبية التركية، التي كانت تستخدم كجزء من التراث والتسلية في عطلة نهاية الأسبوع، لتصبح شبه ضرورية لمرة أو اثنتين في الشهر على الأقل.
ومنذ عصر الدولة العثمانية، تنتشر في لبنان مجموعة من الحمامات التركية التي كانت وسيلة رئيسية للاستحمام وتنظيف الجسم بعمق، وإعادة التألق للبشرة.
وكانت الحمامات التركية قد شيدت منذ قرون، ثم تطورت وانتشرت في الدول العربية التي كانت تحت حكم السلطنة العثمانية، ولا يزال بعضها، الذي لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، يتوزع في لبنان بين طرابلس شمالي البلاد، وأحياء صيدا القديمة جنوبا، وعدد قليل في بيروت.
وتعتمد الحمامات التركية إجمالا على تسخين المياه في جرن ضخم، عبر إشعال الحطب أو المازوت تحته، مما يوفر الدفء والبخار داخلها على مدار الساعة.
"ضرورة"
وبعدما اعتاد رب الأسرة ارتياد الحمامات الشعبية للتسلية وقضاء الوقت، بات يزورها اليوم برفقة أولاده للاستمتاع بحمام ساخن من دون أن يخشى انقطاع المياه في منزله.
ويقول جمال الذي انتظر نصف ساعة ليحين دوره بحمام في صيدا: "هنا نأخذ كامل وقتنا في الاستحمام والاسترخاء والدفء. النظافة من الإيمان".
وأوضح جمال (53 عاما) وهو أب لـ3 أطفال، لموقع "سكاي نيوز عربية": "أقصد الحمام مرة واحدة شهريا على الأقل لأنظف جسمي جيدا وأستريح، أما في بقية الأيام فأتدبر الأمر بالمياه الفاترة أو الباردة في المنزل. لا حل لدي سوى تسخينها على ما يتوفر لنا من الحطب بسبب النقص في المازوت".
وقال أبو حسان من أمام أحد الحمامات في طرابلس، لموقع "سكاي نيوز عربية": "استحممت آخر مرة في المنزل قبل أسبوعين، لأن الأولوية للأولاد والزوجة".
وتابع الرجل بغصة: "لم أعد قادرا على توفير مستلزمات تسخين المياه في المنزل، فالكهرباء مقطوعة معظم الوقت، وسعر الغاز مرتفع جدا، عدا الشح في المحروقات".
إقبال
وقال أبو محمد ستوت المسؤول عن إدارة "حمام العبد" الوحيد الذي ما زال يعمل في طرابلس، إن عمر هذا الحمام أكثر من 700 عام، وهو حمام تراثي منذ عهد العثمانيين يقع قرب خان الصابون الأثري وسط المدينة.
وأضاف ستوت لموقع "سكاي نيوز عربية": "قبل الأزمات الاقتصادية التي أصابتنا كانت كلفة الدخول إلى الحمام 30 ألف ليرة للشخص الواحد، وحاليا رفعنا التسعيرة إلى 100 ألف للمحافظة على تأدية الخدمة بنفس الجودة، وكان الإقبال أقل ويقتصر على الزبائن فقط بينما في الوقت الحاضر نشهد إقبالا متزايدا رغم رفع رسم الدخول، لتأمين مادة المازوت والمياه التي نشتريها أيضا، وتغطية لارتفاع اشتراك المولدات الكهربائية".
وتابع: "اكتشفنا في الآونة الأخيرة على وجه الخصوص أن المواطن الطرابلسي صار بحاجة لوجودنا رغم الكلفة العالية للدخول، فهو لا يملك خيارا آخر".
وأشار إلى أن "دخول الحمام عندنا لا يقتصر على الرجال فقط، إنما أيضا هناك جناح مخصص للنساء ترتفع فيه تكلفة الدخول إلى 200 ألف ليرة، بسبب الحجز الخاص والمواد والصابون الخاص والعطور المستخدمة".
وكشف ستوت أنه يستقبل يوميا زبائن يزورونه "مجانا" تعاطفا منه مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي أصاب المواطنين، و"إيمانا بأهمية النظافة خشية انتشار الأوبئة والأمراض في المدينة".
واضاف: "عملنا جيد بشكل عام، وقبل الأزمة كنا نستقبل حوالي 50 شخصا وحاليا ارتفع الرقم أكثر، فللضرورة أحكام".