يحتفل الأمازيغ في المغرب على غرار باقي دول شمال إفريقيا والعالم برأس السنة الأمازيغية، عبر إحياء عاداتهم وتقاليدهم المختلفة في الطبخ والثياب والحرص على تأكيد ارتباطهم بالأرض، وتحقيق الغاية من المناسبة التي تعرف بـ"إيض يناير" أو "ليلة يناير".
وتتباين تسميات رأس السنة الأمازيغية في المغرب من منطقة إلى أخرى، بين "إيض يناير" أو "إيض سكاس" أو "حاكوزة"، ويصادف 13 يناير من كل سنة، و يوافق هذا العام سنة 2972 بالتقويم الأمازيغي.
ورغم الظروف الصحية المرتبطة بوباء كورونا، التي حالت دون إقامة احتفالات كبرى برأس السنة الأمازيغية للعام الثاني على التوالي، فإن أمازيغ المغرب ظلوا متشبثين بالاحتفاء بهذه المناسبة، وإقامة العادات والتقاليد المرتبطة بـ"إيض يناير"، سواء رفقة الأهل والأصدقاء داخل البيوت، أو بتنظيم ندوات افتراضية وسهرات فنية تنقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد يختلف البعض في أصل الحدث التاريخي الذي ينسب إليه الاحتفال بـ"إيض يناير"، إلا أن الأمازيغ يجمعون على كونه تقليدا متوارثا منذ مئات السنين، ومناسبة لتجديد التأكيد على تشبتهم بما تجود به الأرض من خيرات.
احتفال بعلاقة الإنسان بالأرض
تحيي العائلات الأمازيغية في المغرب "إيض يناير" بطقوس احتفالية، وتحرص على تحضير أطباق عشاء خاصة تختلف حسب المناطق، مثل طبق عصيدة "تكلا" الذي يحضر بدقيق الشعير أو دقيق الذرة ويزين بالفواكه الجافة أو البيض المسلوق.
وتفضل عدد من العائلات على إعداد طبق الكسكسي بسبع خضار خلال هذه الليلة، أو طبق "إيمشيخن" أو "أوركمين" وهو حساء يحضر من مكونات متنوعة من بينها الحمص والشعير والأرز والعدس، إلى جانب "الكرعين" (أقدام الخروف أو البقر).
وجرت العادة على أن تدس نواة تمر في الطعام المقدم بهذه المناسبة، حيث يسود اعتقاد بأن من يعثر عليها سيكون محظوظا طيلة السنة الزراعية المقبلة، ويطلقون عليه اسم "أسعدي ناسكاس".
ويقول الباحث في الثقافة الأمازيغية الحسين البويعقوبي، إن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يختلف من منطقة إلى أخرى، وأهم ما يميزه إعداد أطباق خاصة بهذه المناسبة، حيث تحرص العائلات في منطقة سوس (جنوب المغرب) مثلا على إعداد طبق "تكلا " الشهير.
ويشير البويعقوبي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "كل المكونات التي يحضر بها سواء طبق تكلا أو باقي الأطباق الأمازيغية الأخرى، تتكون مما تبقى من مؤونة السنة الزراعية التي مضت، مما يرمز إلى احتفال الأمازيغ بالأرض وبخيراتها والاستعداد لبداية موسم زراعي جديد والتفاؤل بتساقط الأمطار".
ولا يستند الاحتفال بـ"إيض يناير" حسب المتحدث على أي مرجعية دينية أو عرقية، غير أنه يشكل دليلا على متانة العلاقة التي تربط الإنسان الأمازيغي بالأرض، وتفاؤله ببداية سنة مليئة بالخير والبركات ووفرة المحاصيل الزراعية.
ويتابع البويعقوبي أن "الاحتفال بالسنة الأمازيغية يكتسي بعدا اجتماعيا، حيث يحرص الأمازيغ على تعزيز الأواصر العائلية من خلال تبادل الزيارات، التي تساهم في تقوية العلاقات الاجتماعية وتعزيز قيم التضامن".
التشبث بالتقليد رغم كورونا
قبل عامين، كانت تقام في المناطق المأهولة بالسكان الأمازيغ في المغرب احتفالات جماعية برأس السنة، حتى ساعات متأخرة من الليل، يتم خلالها تبادل التهاني بهذا اليوم وتقاسم الأطباق التقليدية الأمازيغية، تيمنا بسنة زراعية وافرة الإنتاج.
ورغم القيود المفروضة على التجمعات والاحتفالات الجماعية لمنع انتشار الوباء، فإن ذلك لم يثن جمعيات مدنية عن إحياء هذا التقليد بطرق مبتكرة، لكي لا يقتصر الأمر على الاحتفال في البيوت.
ويؤكد البويعقوبي أن الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية قد تأثرت بفعل منع التجمعات، مخافة اتساع رقعة انتشار فيروس كورونا، لكن من دون أن تلغى بشكل نهائي.
وأضاف أن "معظم الأنشطة الثقافية من محاضرات ولقاءات تفاعلية تحولت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الأنشطة الفنية التي كانت تقام بالمناسبة وتستقطب آلاف الأشخاص".
يوم للاحتفال وتأكيد المطالب
وتجدد الحركة الأمازيغة في كل عام وبالتزامن مع الاحتفال برأس السنة، مطالبها بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وإقرار هذا اليوم عطلة رسمية في البلاد، بعدما تم اعتماد الأمازيغية لغة رسمية في المغرب لأول مرة سنة 2011.
وكان مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة، قد أكد تخصيص مليار درهم مغربي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مشددا على أنه جار العمل على هذا الملف على قدم وساق.
ويؤكد عادل أداسكو منسق هيئة شباب "تامسنا" الأمازيغية، التي دأبت منذ سنوات على تنظيم احتفال جماعي ضخم أمام البرلمان المغربي، أنه "احتراما لبرتوكول الوقاية من فيروس كورونا تقرر الاكتفاء هذه السنة بتنظيم وقفة رمزية أمام البرلمان لتجديد التأكيد على مطالب الحركة الأمازيغية".
ويستطرد أداسكو في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "إلى جانب الطابع الاحتفالي، يشكل هذا اليوم مناسبة للتأكيد أيضا على مطلب إقرار رأس السنة الأمازيغية كيوم عطلة رسمي في المغرب، إلى جانب المطالبة بإيلاء مزيد من الاهتمام بالأمازيغية".
ويتابع الناشط الأمازيغي أن "الاهتمام الشعبي الذي يحظى به رأس السنة الأمازيغية في مختلف مناطق المغرب لا يوازيه اعتراف رسمي بإقرار يوم 13 يناير عيدا وطنيا، لا سيما أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خطوة رمزية ليس إلا".
ويرى أداسكو أن "الوقت حان لتفعيل القانون التنظيمي للأمازيغية على أرض الواقع، خصوصا أن تفعل رسمية الأمازيغية والاهتمام بها كان واحد من الشعارات التي رفعها الحزب القائد للتحالف الحكومي، غير أن البرنامج الحكومي لم يعكس هذا التوجه".
ويعتبر المتحدث أن ما تحقق حتى الآن من مطالب للحركة الأمازيغية يظل "محتشما"، مسجلا في الوقت ذاته "تباطؤا في التعاطي مع هذا المشروع الكبير، الذي يستلزم إرادة قوية وخارطة طريق واضحة" حسب تعبيره.