تعايش المسلمون واليهود على أرض المغرب، طيلة قرون، وتقاسموا عادات وتقاليد ساهمت في تشكيل الذاكرة المشتركة، وقد تعددت أوجه هذا الاندماج لتشمل مختلف مناحي الحياة؛ من بينها فنون الطبخ.
ولإعادة إحياء هذا التراث اليهودي، أطلقت جمعية "ميمونة" المهتمة بالتراث الثقافي اليهودي المغربي، سلسلة دورات لأجل تدريب ساكنة أحياء الملاح (أحياء اليهود المغاربة) على إعداد أطباق من المطبخ اليهودي المحلي.
وتقوم المبادرة على تلقين النساء، تقنيات فن الطبخ اليهودي، في عدد من أحياء الملاح بمدن المملكة، ومواكبة المستفيدات من هذه الدروس التطبيقية، قصد مساعدتهن على خلق مشاريع مدرة للدخل، وتحقيق مداخيل مستدامة، في ظل تزايد إقبال السياح من المغاربة اليهود والأجانب على زيارة المملكة، بعد قرار استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب.
ويشتهر المطبخ اليهودي المغربي بحسب المتخصصين، بتنوع أطباقه، ولا تكتمل المناسبات والأعياد دون إعداد أطباق ذائعة الصيت، من أشهرها طبق "السخينة".
روح الملاح
وقد استفادت عشرات النساء من ساكنة أحياء الملاح من دورات تدريبية للتعرف على أسرار الطبخ اليهودي المغربي، وتعلم إعداد أشهر الأطباق التقليدية المحلية التي برع اليهود المغاربة في تحضيرها على مر السنين.
يقول عبد الحق الكوكبي، الكاتب العام لجمعية "ميمونة"، إن "المجال كان مفتوحا أمام نساء الملاح من مختلف الأعمار، للاستفادة من هذه المبادرة، وقد أبدين الرغبة في تطوير مهارتهن، من أجل تعلم تقنيات الطبخ اليهودي المغربي".
ويضيف في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، أن عشرات النساء من حي الملاح بمدينة فاس، استفدن خلال الدورة الأولى من المبادرة التي تأتي في إطار مشروع "روح الملاح"، الذي ترعاه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وفيدرالية يهود السفارديم الأميركية، فيما استهدفت ثاني الورشات المدينة القديمة بالصويرة.
ويشير الكوكبي إلى وجود دورات أخرى لتلقين فن الطبخ اليهودي ستشمل قريبا مدنا مثل الرباط، مراكش وطنجة، بمشاركة طهاة من داخل وخارج المغرب، لتعليم أصول الطبخ اليهودي المغربي.
ويعتبر المتحدث، الخطوة فرصة لاطلاع الجيل الصاعد على جانب من تاريخ اليهود المغاربة يتمثل في فن الطبخ، وتشجيعه على الحفاظ عليه وصونه.
وقد شجع نجاح التجربة، القائمين على المبادرة، على التفكير في تعميمها مستقبلا، وتوسيع دائرة المستفيدين، القاطنين في أحياء أخرى والراغبين في التعرف على التراث والمطبخ اليهودي.
مشاريع مدرة للدخل
يؤكد عبد الحق الكوكبي، أن إحياء التراث اليهودي المغربي بمختلف أبعاده وتجلياته، يعد من بين أهم الأهداف التي تسعى المبادرة لتحقيقها، لافتا إلى أن عددا من الأطباق اليهودية كان يتشاركها الجيران يهودا ومسلمين ويتقاسموها في أحياء الملاح.
وإلى جانب ذلك، يسعى الساهرون على المبادرة إلى تمكين النساء من خلق مشاريع مدرة للدخل، للمطبخ اليهودي الموجه على وجه التحديد للسياح الذين يزورون حي الملاح.
ويعد حي الملاح من الأماكن التي تستقطب السياح اليهود الراغبين في التعرف على تاريخ تواجد اليهود في المغرب، حيث شكل هذا الحي عبر العصور رمزا للتعايش والتسامح بين المسلمين واليهود، قبل أن يقرر معظمهم الهجرة نحو إسرائيل أو أوروبا وكندا.
يقول الكوكبي، إن الجمعية تحرص على مواكبة المستفيدات من ورشات الطبخ اليهودي، ومصاحبتهن لإطلاق مشاريع خاصة بهن، وتحقيق مداخيل مستدامة، سواء في مجال الطبخ أو إعداد الحلويات.
ويرى المتحدث، أن معرفة النساء المستفيدات بعادات الأكل لدى اليهود، والطقوس الدينية المرتبطة بإعداد الأطباق اليهودية، من شأنه أن يساعدهن إلى جانب المهارات التي اكتسبنها خلال الدورات التطبيقية، في إطلاق مشاريع ناجحة في هذا المجال.
مطبخ متنوع وغني
وقد انخرطت النساء المستفيدات في الدورات بحماس لافت، حسب المشرفين، وأبدين رغبة كبيرة في التعرف على فن الطبخ اليهودي المحلي، الذي سمعن عنه الكثير من قبل آبائهن وأجدادهن ممن جاوروا اليهود المغاربة بأحياء الملاح قبل سنوات طويلة.
تقول الطباخة المغربية اليهودية، تيتي حليوة، التي أشرفت على دورة للطبخ في مدينة الصويرة، إن "المشاركات أبدين رغبة كبيرة في التعلم، وقد حاولت إطلاعهن على أسرار إعداد أهم الأطباق التي تميز المطبخ اليهودي المغربي".
وتضيف الطباخة حليوة في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "المطبخ اليهودي غني ومتنوع، لكنه يتقيد بمحددات دينية صارمة، كما أنه يختلف شيئا ما عن المطبخ المغربي التقليدي"، وتابعت: "لقد أثار إعجاب النساء، كما استمتعن بتذوق الأطباق والحلويات التي تم إعدادها خلال الدورة".
وترى المتحدثة أنه من شأن مبادرات من هذا القبيل أن تساعد على حماية الموروث اليهودي الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الموروث المغربي العريق، مشيرة إلى أن الأسر المغربية اليهودية سواء داخل المغرب أو خارجه، ما زالت تتمسك بالمحافظة على الطرق التقليدية في إعداد الأطباق المغربية اليهودية وتحاول نقلها من جيل إلى آخر.