بعد سنوات من الغموض الذي لّف مومياء الملك المصري العظيم أمنحتب الأول، بدأت تتكشف تفاصيل جديدة عن حياته، بعدما أماطت دراسة جديدة اللثام عن أسرار المومياء الملكية، ونُشرت نتائجها، الثلاثاء، بدورية "فرونتيرز إن ميديسن".
ولنحو 30 قرن، ظلت مومياء الملك المصري أمنحتب الأول على هيئتها الساحرة؛ ملفوفة بالكتان ومغطاة من الرأس إلى القدمين بأكاليل من الأزهار ذات الألوان: الأحمر والأصفر والأزرق، بينما كان الرأس مغطى بقناع مصنوع من الخشب المطلي والكرتوناج.
على هذه الحال، انتقلت مومياء أمنحتب الأول عبر عدد من المحطات منذ اكتشافها عام 1881 في مخبأ الدير البحري الملكي في الأقصر؛ حيث حُفظت أولًا في متحف بولاق، ثم انتقلت إلى قصر إسماعيل باشا في الجيزة، وفي عام 1902 نُقلت مع المومياوات الملكية إلى المتحف المصري بالتحرير في القاهرة.
خضعت المومياء لعدد من الدراسات منذ اكتشافها، ولجمال هيئتها كانت من بين عدد قليل من المومياوات التي لم يفك علماء العصر الحديث لفائفها أبدًا، ومن بين الأبحاث التي أجريت عليها؛ تصويرها بالأشعة السينية عام 1932، من قِبل دوجلاس ديري، الأستاذ بكلية طب قصر العيني في القاهرة آنذاك، والذي قدّر عمر أمنحتب الأول عند الوفاة بين 40 و50 عامًا.
في عام 1967، قامت بعثة جامعة ميتشيغان بتصوير مومياء أمنحتب الأول بالأشعة السينية، وقدّرت الأشعة السينية العمر عند بحوالي 25 عامًا، استنادًا للحالة الجيدة للأسنان.
جميع هذه التقديرات حول عمر أمنحتب الأول لم تكن مرضية، إذ لم تكشف الأشعة السينية "ثنائية الأبعاد" أسرار المومياء بشكل دقيق، حتى قرر مؤخرًا العالمان المصريان، زاهي حواس، عالم المصريات، ووزير الآثار الأسبق، رفقة الطبيبة سحر سليم، أستاذ الأشعة التشخيصية بجامعة القاهرة فحص المومياء باستخدام الأشعة المقطعية.
أسرار ملك عظيم
في مطلع شهر مايو من عام 2019، كانت سحر سليم، على موعد مع تلقي هدية من السماء عندما شرعت في إجراء الأشعة المقطعية على مومياء أمنحتب الأول، فهي أول من يشاهد وجه الملك المصري بعد إعادة دفنه قبل نحو 3000 عام.
هكذا وصفت أستاذة الأشعة التشخيصية بجامعة القاهرة، لموقع "سكاي نيوز عربية" مشاعرها خلال اللحظات الأولى من عملية كشف أسرار مومياء الملك أمنحتب الأول، الذي يعدّ أحد أعظم ملوك مصر القديمة.
وبحسب ما أوردت دراسة سليم وحواس؛ حكم أمنحتب الأول مصر لمدة 21 عامًا (حوالي 1525-1504 قبل الميلاد)، وكان ثاني ملوك الأسرة الثامنة عشرة يتولى العرش بعد وفاة والده أحمس الأول، ويعني اسم أمنحتب: "آمون راض".
وتمتع عهد أمنحتب الأول بالازدهار والسلام؛ حيث حمى أراضي مصر، وقاد حملة إلى كوش ورحلة استكشافية إلى ليبيا. كوشيد عديد من المعابد منها: معبد آمون في الكرنك، الهياكل في صعيد مصر في الفنتين، وكوم أمبو، وأبيدوس، ومعبد نخبت، وبعد وفاته، عُبد أمنحتب الأول ووالدته في دير المدينة.
ما الجديد؟
برغم إجراء فحوصات باستخدام الأشعة السينية في الماضي على مومياء أمنحتب الأول، فإن الأشعة المقطعية كشفت تفاصيل جديدة، فلم يكن بمقدور الأشعة السينية تقديم بمعلومات متسقة عن المومياء، لأن المعلومات ثلاثية الأبعاد للمومياء تظهر على فيلم بالأشعة السينية ثنائي الأبعاد، والنتيجة هي تراكب مكونات المومياء مما يجعل توصيفها أقل دقة.
أمَّا في حالة التصوير بالأشعة المقطعي استطاع العلماء نزع مئات الطبقات الرقيقة من الجسم، وتوفير صورًا - أكثر تفصيلاً - مُعاد تكوينها للأنسجة الرخوة وكذلك العظام.
وتكشف سليم في حديثها لموقع سكاي نيوز عربية أسرار المومياء بعد إجراء الأشعة المقطعية، إذ تقول إن أهم الأسرار التي تكشفها الدراسة أن الحالة الصحية للملك أمنحتب الأول كانت جيدة، إضافة إلى أن عمره وقت الوفاة قُدّر بـ 35 عامًا، إذ تم الاستدلال عليه من موضع التقاء عظمتي الحوض.
ويظهر فحص المومياء أن طول أمنحتب الأول كان حوالي 169 سم، ومختونًا، وله أسنان في حالة جيدة، بينما كان يرتدي 30 تميمة، ويحيط المومياء حزام مكون من 34 خرزة ذهبية، موصول بهم تميمة على هيئة قوقعة.
وعن سبب الوفاة تشير إلى أنهم لم يعثروا في المومياء على أي سبب للوفاة يشي بأن الوفاة غير طبيعية؛ إذ لم تظهر أي إصابات أو أمراض تصيب العظام، كما لم تظهر علامات تصلب شرايين في المومياء مثلما ظهرت في مومياوات أخرى، وتُرجح أن تكون الوفاة قد حدثت بسبب عدوى أو إصابة في أي عضو تم إزالته أثناء التحنيط.
وتوضح أنّ الأشعة المقطعية لا تستطيع كشف سبب الوفاة، إلا إذا كانت هناك علامات في العظام أو الأنسجة، مثلما ظهرت علامات النحر في عنق رمسيس الثالث، والبتر الموجود في إصبع قدمه اليسرى، وكذلك الجروح في وجه مومياء سقنن رع، وأيضًا الكسر الذي أظهرته الأشعة في ساق مومياء توت عنخ أمون.
وتقول سليم إن الأشعة تكشف وجه الشبه الكبير بين أمنحتب الأول ووالده الملك أحمس؛ إذ يظهر وجه المومياء بملامح ذقن ضيقة وأنف صغير ضيق وشعر مجعد وأسنان علوية بارزة قليلاً.
كما تلفت إلى أنّ حالة المومياء تؤكد أنها حظيت بعناية فائقة بعدما تم إعادة دفنها من قبل كهنة الأسرة الحادية والعشرين في مخبأ الدير البحري الملكي، وتم معالجة أكثر من قطع ظهر في المومياء جراء عبث نابشي القبور الملكية، وتعد سليم هذا التصرف من قبل الكهنة من أفضل العلامات التي تشير إلى البعد الحضاري الراقي.
رد اعتبار
من جهته، يعلق زاهي حواس، على نتائج الدراسة التي توصل لها بمشاركة سليم، فيقول إنّ من بين النقاط المهمة التي كشفت عنها الدراسة إلى أن هذه المومياء هي الأولى التي تم تحنيطها بالطريقة الأوزيرية (الأزرع المتقاطعة)، واستمر هذا الوضع مع كل ملوك الأسرة الحديثة.
ويضيف حواس لموقع سكاي نيوز عربية، أنّ الدراسة ترد اعتبار كهنة الأسرة 21 و22، بعدما اتهمهم كثير من علماء الآثار بسرقة مجوهرات المومياوات، بعد نقلها للدير البحري، ووجود مجوهرات في مومياء أمنحتب الأول يدحض هذه النظرية، ويؤكد أن الكهنة نقلوا المومياوات بغرض الحفاظ عليها.
ويوضح عالم المصريات أنه درس رفقة دكتور سحر سليم 40 مومياء ضمن مشروع المومياوات الملكية التابع لوزارة السياحة والآثار والذي تم إطلاقه عام 2005، واستطاعوا من خلاله جمع الكثير من المعلومات عن هذه المومياوات، لكنه يشير في الوقت إلى أن دراسة مومياء أمنحتب الأول تعد من أهم الأبحاث التي أُجريت في هذا الصدد.