أعاد افتتاح شارع المتنبي في العاصمة العراقية بغداد، والذي لطالما كان من أشهر معالمها الثقافية والفكرية، وهو المعروف بمكتباته ودور نشره العديدة، الآمال لدى الأوساط الثقافية العراقية والعربية، في إعادة الزخم للحياة الثقافية في بلاد الرافدين، التي لطالما استنزفتها الحروب والأزمات المتشعبة منها، وأثرت سلبا على حيويتها وديناميتها الثقافية وخاصة العاصمة بغداد.
وتعليقا على أهمية افتتاح شارع المتنبي، بعد أشهر طويلة من أعمال التجديد والترميم، يقول الباحث والكاتب العراقي، ماهر الحمداني، في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "إعادة افتتاح شارع المتنبي بهذه الحلة الجميلة، هو حدث مفرح جدا ومبهج، وكلنا أمل أن يقبل الناس في العراق ومن زواره من العرب والأجانب على ارتياد هذا المكان والمعلم الثقافي البارز، بما يجعل الحياة تدب فيه، والذي يجب أن يتحول لمقصد سياحي عربي وعالمي، بما يسهم في تعزيز مفهوم وصناعة السياحة الثقافية في العراق، الذي رغم كونه بلدا زاخرا بالمعالم الثقافية والحضارية العريقة، لكنها تعاني من الإهمال والتآكل على مدى حقب طويلة".
ويضيف الحمداني: "لا زال الكثير من معالم العاصمة بغداد والعراق ككل التراثية والتاريخية مطمورة تحت ركام النسيان والإهمال والأوساخ، والمؤمل أن تشكل إعادة افتتاح شارع المتنبي بحلته الجديدة هذه، خطوة أولى تعقبها خطوات أكبر نحو الارتقاء بالواقع الثقافي العراقي، ومعالمه وبناه التحتية".
ويسهب في شرح الأهمية الثقافية لشارع المكتبات العراقي الأول، بالقول: "شخصيا كنت على مدى سنوات طويلة، من رواد شارع المتنبي حيث كنت أزوره كل يوم جمعة، ومع الأسف الشديد الملاحظ هو تراجع الدور الثقافي والمعرفي والأدبي للشارع، لصالح تصاعد الدور التجاري، بمعنى أن الكثير من المكتبات العريقة ودور النشر تحولت لمكتبات قرطاسية، ولم تعد تبيع الكتب بقدر بيعها الدفاتر والأقلام وغيرها من مستلزمات القرطاسية الدراسية، فضلا عن افتتاح العديد من المطاعم والمقاهي فيه، ما جعل الشارع أقرب لشارع تجاري عادي، وهذا ما يؤثر سلبا على هويته الثقافية الأصيلة، فشارع المتنبي كما أذكره في عقد التسعينات كان شارعا للكتب التي كنا نجدها في دهاليز المكتبات الكبرى فيه وفي أزقة الشارع".
الآن تقريبا كل شيء مسموح، لكن الجانب التجاري والمادي يطغى على الجانب الثقافي والروحي، كما يقول الحمداني، مضيفا: "الربح المادي بات للأسف هو الطاغي، أما الاعتبارات الثقافية والإبداعية وحركة الاستكتاب والتأليف والطباعة والنشر، فتراجعت بشكل كبير، وهنا ينبغي على الجهات المعنية وخاصة وزارة الثقافة العراقية لعب دورها في العمل على تنشيط الحركة الثقافية، وإنشاء صالونات ثقافية في هذا الشارع، تشجع الناس والرواد على الحوار والجدل ومناقشة الأفكار وعقد الندوات الأدبية والمساجلات الشعرية، وغير ذلك من أشكال تفعيل الحراك الثقافي والفكري".
نحتاج لإعادة الحياة لداخل الجسد الجمالي والمبهر لشارع المتنبي، بفعل ترميمه واعادة تأهيله معماريا، كما يرى الباحث العراقي، مردفا: "نحتاج لبث الروح والحيوية من جديد في هذا الشارع البغدادي الثقافي العريق".
أما الفنان العراقي، سبهان الغبشة، فيقول في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي، فشارع المتنبي الثقافي العريق يستحق كل الاهتمام أسوة بشوارع مختلف عواصم دول العالم الثقافية المهمة، وحقيقة بدا الشارع مبهرا بعد عمليات الترميم، فبغداد تستحق الكثير بعد سنوات عجاف من الاهمال والأزمات، على أمل أن نفتتح وندشن شوارع ثقافية أخرى في مختلف مدن العراق".
هذا وكان قد أطلق على هذا الشارع التاريخي في عام 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول، اسم الشاعر الشهير أبو الطيب المتنبي، الذي ولد في عهد الدولة العباسية.
ويبلغ طول شارع المتنبي نحو كيلومتر واحد، ويؤدي إلى إحدى ضفاف نهر دجلة، يتقدمه تمثال كبير للمتنبي، وينتهي بنصب خط عليه بيت من قصائده المعروفة.