تسعى مصر إلى تسريع إجراءات التقاضي في المحاكم، من خلال تطوير الجانب التقنّي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحويل الكلام إلى نص مكتوب خلال الجلسات القضائية.
وخلال اجتماع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع وزير العدل، مروان عمر، وجَّه بالتوسع في استخدام أحدث الوسائل الإلكترونية والتكنولوجية في منظومة عمل المحاكم.
وشدد السيسي على أنَّ الوسائل التكنولوجية تساهم في سرعة الإجراءات واختصار زمن التقاضي، وتعميم نظام التقاضي عن بُعْد في كافة المحاكم خلال الفترة المقبلة.
كَتَبة المحاكم
ويقول رئيس محكمة جنايات الجيزة وأمن الدولة العليا ورئيس دائرة الإرهاب بمصر، المستشار معتز خفاجي، إنّ الخطوة تعتبر من أهم الخطوات في السلك القضائي المصري، متمنيًّا تطبيقها في أسرع وقت.
وأشار، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أنّه يجب تنفيذ هذه التقنية منذ بداية التحقيقات في النيابة وحتى الوصول إلى أعلى درجات التقاضي.
وشدد على ضرورة ألا تكون كتابة الجلسات القضائيّة يدويًّا في الفترة المقبلة، موضّحًا أنَّ هذه الخطوات ستُسرِّع من الإجراءات القضائية وتُسّهِل أفضل للقاضي.
وأوضح أنّ هناك جهدًا مبذولًا من القضاة لفهم بعض الكلمات المكتوبة بالخط اليدوي الذي يكتبونه كتاب المحاكم المصرية، مشددًا على ضرورة وجود أشخاص مُدرّبين للتعامل مع هذه التكنولوجيا.
وعن الصعوبات التي يواجهها القاضي، فقال إنّه عند طلب ضم قضية على سبيل المثال في إحدى المحاكم النقض مثلًا، فلابد من طلب القضية بأوراقها وإذا لم يُفصل فيها بعد، لن يكون إرسال الأوراق مُتاحًا.
وتابع: "لأنَّه في هذه الحالة لابد من ضرورة وجود الورق لدى محكمة النقض حتى الفصل فيها خاصّة إذا كان قد حُكم على جزء من المتهمين غيابيًّا".
واستطرد قائلًا: "إذا تم القبض على المحكوم عليهم غيابيًّا تتم إعادة الإجراءات التي تسمح بإعادة محاكمتهم"، مشيرًا إلى أنّ "هذه العملية تتطلب النسخة الأصلية في محكمة النقض"، ما ينتج عنه صعوبة إذا كانت القضية في الأساس متداولة لدى "النقض".
وكشف أنّ تلك الحالات تُحدث تضاربًا في نظر القضايا أمام المحاكم المختلفة، وتابع: "حين تكون تلك التحقيقات منسوخة على (سي دي CD) أو (فلاش ديسك) سيكون من السهل إرسالها فورًا وقت طلبها، وهو ما يقلل من الوقت والانتظار حتى تكون القضية جاهزة للتداول".
ضرورة حياتية
بينما يرى نائب رئيس مجلس الدولة، المستشار محمد عبد الوهاب خفاجي، في دراسة اطلّع عليها موقع "سكاي نيوز عربية"، أنَّ توجيه السيسي بالتقاضي عن بُعد في زمن ما بعد كورونا ضرورة حياتيَّة، مشددًا على أنَّ الشرعية الإلكترونية ليست ترفًا.
وشدد، خلال دراسته، على أنَّ دعوة السيسي لتطوير المنظومة القضائية والتحول الرقمي جاءت في وقت تحتاج فيه العدالة لمن ينشد فيها روح ملاحقة ركب التطور من خلال الاعتماد على إجراءات "العمل الذكي" في العملية القضائية.
واستطرد قائلًا: "الكمّ الهائل من القضايا المنظورة أمام المحاكم المصرية أدى لفقدان مهنة المحاماة- من الناحية الإجرائية- إحدى أهم خصالها المتمثلة في المرافعات الشفهية من شرح الأسباب الموضوعية والقانونية لدعاوى موكليهم بولوج طريق تقديم المذكرات المكتوبة، فضلًا عن ازدحام قاعات المحاكم يوميًّا بالمتقاضين ووكلائهم من المحامين، كل ذلك جعل عملية التقاضي برمتها لا تتناسب مع حقيقة العصر الذي اختصر كثيرًا من الوقت والجهد والنفقات باستخدام تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات في مجال العدالة".
وتابع: "الإجراءات التقليدية للتقاضي في نظمها العتيقة لم تعد تتفق مع العصر نظرًا لأن نظام التقاضي الإجرائي بالتجمعات الناشئة عنه لا يتناسب مع النظام الصحي العام، وهو ما يثير الاستعانة بالتقاضي عن بُعد واستخدام وسائل التكنولوجيا والاتصال المرئي أو المسموع وإفراغ قيد الدعاوى والمرافعات والمستندات بواسطة البريد الإلكتروني للمحاكم منعًا للتجمعات".
ولم يذهب أستاذ القانون الدولي العام في مصر، أيمن سلامة، بعيدًا عن الرأيين السابقين، حيث يرى أنَّ السيسي لامس خلال اجتماعه مع وزير العدل "مشكلة المشاكل" في إجراءات التقاضي بمصر، وبالتحديد بطء إجراءات العدالة وتحميل القضاة أعباء وأعداد ضخمة وهائلة من القضايا المختلفة نظرًا للتعداد السكّاني الهائل بمصر.
العدالة البطيئة.. ظلم
وشدد سلامة في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" على أنَّ "توجيهات السيسي باستخدام الوسائل الحديثة للتكنولوجيا في منظومة عمل المحاكم من شأنها المساهمة في تسريع إجراءات التقاضي بالإضافة لتركيز القضاة وتسهيل أعمالهم وتوفير جهدهم ووقتهم، والنفقات أيضًا".
وتابع: "العدالة البطيئة تُعّد صورة من صور الظلم، وليس فقط لضحايا الجرائم والمدّعين ولكن أيضًا للمتهمين أنفسهم، لذلك تنصّ كافة التشريعات الوطنية في كافة الدول العالم على تسريع الفصل في الدعوى وذلك بما لا يخّل بإهدار حقوق الدفاع".
وأشار أستاذ القانون الدولي إلى أنَّ "المحاكمة العاجلة هي محاكمة عادلة، وهذا لا يعني أنْ تكون المحاكمة عَجِلة متسرعة تهدر حقوق أطراف الدعوى القضائية".
وبحسب سلامة، فإنَّ "مبدأ المحاكمة السريعة ينطبق على كافّة مراحلها، سواء التحقيق والاتهام ثم الملاحقة القضائية أمام الهيئة القضائية التي تفصل في الدعوى".