يوجد في المغرب سجل غني من المعمار التاريخي، والذي يتجسد على الخصوص في المساجد والجوامع التراثية المنتشرة في عدة مدن بالمملكة، وسط دعوات إلى رد الاعتبار لهذه المباني التي تشكل جزءا من هوية البلاد.
وتعمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية جاهدة على الحفاظ على هذا المعمار التاريخي واستمراريته، من خلال برنامج خاص لترميم هذه المباني التاريخية الدينية التي صُنفت تراثا وطنيا وإنسانيا.
وتُصنف الوزارة، ضمن قائمة المساجد التاريخية، جميع الأماكن المخصّصة لإقامة الشعائر الدينية ومنقولاتها التي تكتسي صبغة تاريخية أو تحمل قيمة روحية أو ثقافية أو جمالية أو وظيفية.
ترميم بتقنيات علمية
وكشف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في البرلمان مؤخرا، أنه يوجد 976 مسجدا تاريخيا بمختلف المدن العتيقة للمملكة، وكذا ما يعرف بالواحات والقصور، وهي قرى في منطقة جنوب شرق البلاد.
وأكد الوزير، أن عملية الترميم ورد الاعتبار شملت 91 مسجدا قديما، خلال السنوات العشرين الماضية بتكلفة إجمالية تعادل 653 مليون درهم (نحو 65 مليون دولار)، إضافة إلى ترميم 17 مسجدا في الوقت الحالي بكلفة مالية تبلغ 31 مليون درهم، و29 مسجدا آخر في طور الدراسة.
كما أبرز الوزير أن الوزارة تعمل لأول مرة، على تدريب علمي للحرفيين من أجل تلقينهم تقنيات الترميم، بعدما كانت الوزارة تجتهد سابقا في الترميم بالعمل مع المقاولات والمعلمين.
أكاديمية للفنون التقليدية
وتعمل الوزارة على تدريب الحرفيين بشكل علمي، بغرض ترميم المساجد والجوامع التراثية، في أكاديمية الفنون التقليدية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء.
وتعد الأكاديمية، التي أحدثت في نهاية أكتوبر 2012، "منصّة متميزة مكرّسة لتدريب رفيع المستوى في مجال الفنون التقليدية، والمبني على أساس اكتساب المعارف العلمية وتطوير البراعة الحرفية، بحسب المدير العام المساعد المكلف بالتكوين والبحث في أكاديمية الفنون التقليدية، عبد الصمد حدادي.
وتابع حدادي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "طلبة أكاديمية الفنون التقليدية يستفيدون من مهارة وخبرة كبار المعلمين الحرفيين الذين تركوا بصماتهم من خلال أعمال حرفية تقليدية في جميع ربوع المملكة، والذين ساهم بعضهم في بناء مسجد الحسن الثاني".
ومسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، افتتح عام 1993، واشتغل فيه مجموعة من الحرفيين والمعلمين من حرف الصناعة التقليدية المختلفة، إذ يتميز بهندسته المعمارية المستوحاة من النقاء والغنى الثقافي لفن العمارة الذي عرف به المغرب على مر القرون.
وأوضح المسؤول بأكاديمية الفنون التابعة لمؤسسة المسجد، أنه "من خلال التدريب الذي تلقنه أكاديمية الفنون التقليدية، فإنها تساهم في إثراء وتعزيز قطاع الصناعة التقليدية الوطنية، إلى جانب دورها الثقافي المرتبط بمساهمتها في تعزيز والحفاظ على الجوانب الفنية والثقافية لهويتنا المغربية".
ضوابط لترميم المساجد
وفي تفسيره لفرادة المساجد والجوامع العتيقة في المملكة، يعتبر الأكاديمي الخبير في الآثار الإسلامية، منير أقصبي، أن "المعمار الديني المغربي ينفرد بعدد من الخصائص من حيث التصاميم والأشكال الزخرفية، يتوجب أن نوثقها ونقوم بجردها ودراستها وإنجاز ميثاق معماري لترميم مثل هذه المباني".
وأبرز أقصبي في تصريحه لـموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "رد الاعتبار للمعمار الديني يستوجب استعمال تقنيات ومواد بناء تقليدية، لأن في ذلك رد اعتبار للمهارات والمعارف القديمة المتعلقة بالبناء التقليدي المغربي الأصيل".
كما أشار الأكاديمي الخبير في الآثار الإسلامية، أن "هناك ضوابط في ترميم المعالم التاريخية منصوص عليها في ميثاق البندقية لسنة 1964".
وأوضح أقصبي قائلا: "ترمم المعلمة كما كانت عليه أثناء تشييدها أو الاقتراب من ذلك بإزاحة العناصر الحديثة المضافة وإعادة إنتاج الأجزاء المفقودة، إلى جانب الحفاظ على كل أجزاء المعلمة وعدم المفاضلة بين مكوناتها، ثم استعمال مواد خفيفة إذا ما كانت المعلمة محتاجة إلي بنيات حديثة".
كما نبه المتحدث إلى أن "المعالم الدينية خضعت لتطورات مهمة عبر تاريخها من قبيل الترميمات السابقة، وإعادة البناء الجزئي أو الكلي أو الإضافات والتوسيعات المتعددة، ما يفرض أن تكون خطوات الترميم مضبوطة من خلال الدراسات القبلية".
النهوض بالخصوصيات المعمارية
يقول أستاذ التاريخ والآثار في كلية متعددة التخصصات بتازة، عبد اللطيف الخمار "لم تعد عملية ترميم المساجد من اختصاص المهندسين المعماريين فقط، بل تُسند العملية إلى مكتب دراسات يشترط عليه دفتر التحملات أن يُشغّل فريقا يجمع بين متخصصين في الرسم الهندسي ومتخصصين في علم الآثار ومتخصصين في علم التاريخي لكي تكون هناك إحاطة بجميع جوانب البناية التراثية".
وفي حديثه لـموقع "سكاي نيوز عربية"، يرى الخمار أن "الاعتماد على فريق متعدد التخصصات ساهم في تجويد وتحسين الأداء المتعلق بترميم المباني التاريخية عموما والمساجد بشكل خاص في المغرب".
وأكد أن "رد الاعتبار للمساجد العتيقة انطلق مع بداية الألفية، إذ سنّت المملكة سياسية للنهوض بالخصوصيات المعمارية للمساجد المغربية".
واستطرد الباحث أن الوزارة الوصية انتبهت إلى أن "المساجد في المملكة لم تعد تشيد على نمط المعمار التقليدي المغربي الأصيل، ولا علاقة لهذه البنايات الحديثة بالإرث المعماري والتاريخي للمساجد المغربية".
وزاد قائلا "المغرب له ثوابت في المعمار، وهو ما يستوجب أن لا تغيب خصوصياته عن بناء المساجد، فمنذ سبعينات القرن الماضي بدأ التراجع في هذا الإطار".