كل شخص لديه أسرار، بعضها كبير وبعضها صغير، وكان المخرج الدنماركي جوناس راسموسن على دراية تامة بأن أحد أصدقاء طفولته كانت لديه قصة مؤلمة للغاية، لدرجة أنه أبقاها سرا عن كل المقربين منه لعقود.
لم يكن "أمين" صريحا أبدا عن كيفية شق طريقه من أفغانستان إلى الدنمارك في عام 1995، بصفته لاجئا شابا، لذلك قرر "راسموسن" إضفاء صبغة الحقيقة على حياة اللاجئين الأفغان بعد سيطرة طالبان على العاصمة كابول، في فيلم "فلي (Flee)".
"فلي" (الفرار)، هو فيلم وثائقي دنماركي بالرسوم المتحركة (أنيميشن)، إنتاج 2021، فاز بجائزة لجنة التحكيم لمهرجان السينما العالمية في "صاندانس"، وهو مهرجان سينمائي مستقل شهير بأميركا.
الفرار
يبدأ الفيلم بصوت أمين نوابي (اسم مستعار اختاره المخرج ليخفي هوية صاحب القصة الحقيقية)، وهو أستاذ جامعي حاليا، متزوج ولديه أبناء، ولا يريد أن يهدد حياته التي بناها.
الحياة التي بناها أمين ظل يؤرقها سر قديم من الماضي الدفين، والذي لم يخبر به أي شخص، حسبما يحكي المخرج، لذلك قرر تغيير صورته المتحركة، والأسماء والمواقع لحماية هويته.
صوت أمين داخل الفيلم لم يتغير، بل ظل كما هو (الصوت الحقيقي للاجئ الأفغاني)، هذا الصوت داخل الفيلم يأخذنا لطفولة اللاجئ في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
المزيد من الذكريات الفوضوية يعرضها الفيلم، بعد أن استولت حركة طالبان على السلطة في كابول عام 1995، قبل سقوطها على يد القوات الأميركية في نوفمبر 2001.
داخل الفيلم؛ فجأة تتحول ذكريات أمين إلى ما حدث قبل فراره من أفغانستان، حيث اختُطفت أخته، وقُتل كل من والده وأمه وشقيقه.
بعد ذلك تأتي قصة فرار أمين من أفغانستان لروسيا، ثم عبر مهربي البشر لإستونيا (والتي يتضح خلال الفيلم أنها كانت فترة بائسة بالنسبة للاجئ الأفغاني في مركز لجوء".
من إستونيا يصل إلى الدنمارك، التي تمنحه وضع اللاجئ. وفي سن الـ 15 وبلغة دنماركية ريفية، يلتقي اللاجئ الأفغاني بـ"راسموسن" (مخرج الفيلم) في الحافلة إلى المدرسة.
الوطن
يسأل راسموسن في بداية الفيلم أمين: "ماذا يعني لك الوطن؟"، ويظهر الاستغراب على وجه أمين ويقول: "وطن؟"، ثم يتابع: "الوطن هو مكان ما آمن".
يقول راسموسن: "كنت دائما أشعر بالفضول بشأن ماضيه، وقصته، ولكن كصبي يبلغ من العمر 15 عاما، لا أتدخل في هذه الأشياء حقًا، كان علي أن أنتظر حتى يكون مستعدا ليخبرني".
ويتابع راسموسن: "لقد بقينا دائما على اتصال، قضينا كل عام جديد تقريبا معا لسنوات عديدة، وذهبنا معا في إجازات".
ويضيف: "ربما قبل 15 عاما، سألته عما إذا كان بإمكاني عمل فيلم وثائقي عن قصته، قال حينها إنه لم يكن مستعدا، لكن عندما كان سيشاركني قصته، كنت أعلم أن هذا شيء سنفعله في وقت ما، لذلك كنت أبحث عن الشكل الصحيح للقيام بذلك".
أما منتجة الفيلم، مونيكا هيلستروم، فقد أشارت إلى أن الرسوم المتحركة هي "الوسيلة التي توصل إليها صناع العمل لإبقاء هوية أمين مجهولة".
وأشارت، بحسب ما نقل عنها الموقع الأميركي "هوليوود ريبورتر"، إلى أن الرسوم المتحركة "ساعدت في حل مشكلة كيفية تصوير مشاهد من ماضيه"، قائلة: "إنها أشياء لم نكن لنتمكن من تصويرها في فيلم وثائقي عادي".
وتابعت: "في نهاية المطاف تصبح مهووسا حقا وتبحث عن أشياء غريبة، مثل مدى ارتفاع الرصيف في الشوارع، ونوع الأشجار التي كانت موجودة، وكيف كان الضوء في ذلك الوقت من العام".
واستطردت: "أعتقد أن هذه التفاصيل، التي قد لا تلاحظها على الإطلاق، يمكنها حقًا توصيل الحالة المزاجية للمكان".
من جانبه، قال المسؤول عن الرسوم المتحركة، كينيث لاديكيير، إنه أجرى تعديلات طفيفة لحماية هوية أمين الحقيقية، ونسخ جوانب أمين وسلوكه بشكل سليم، كالطريقة التي يشير بها ويتحدث بها، ويمسح دموعه بها عندما يبكي.