يجمع الاختصاصيون و"أصحاب الكار" وحتى المشاهد العربي على تفوق الدراما السورية، التي عاشت عصرها الذهبي خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، فاحتلت بجدارة الشاشات العربية، وحلّت اللهجة السورية ضيفا عزيزاً على معظم منازل العالم العربي.

إلا أن نار الحرب، التي غطت سوريا بكل قطاعاتها، طالت ألسنتها الدراما أيضاً، لتتحول هذه الصناعة الرائدة سابقاً إلى استهلاكية هشّة وسط غياب أبرز مقوّماتها، وعلى رأسها القوة البشرية.

اليوم ومع مرور ما يقارب 12 عاماً على بداية الصراع في سوريا، أين أصبحت الدراما السورية؟

يشرح الكاتب السوري رامي كوسا، في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" أن الأعمال الدرامية شأنها شأن أي صناعة تحتاج الى 3 مقومات لنجاحها، وهي مواد أولية وموارد بشرية وسوق للتصريف، ومع توافر العنصرين الأول والثاني، اصطدمت الدراما السورية بعائق عدم وجود سوق محلية تستوعب أعمالها.

من قاع الحرب السورية إلى مشارك في تطوير الـ5G

 وحسب كوسا، فإن "جذور المعاناة في الدراما السورية تمتد لافتقاد سوريا لسوق محلي لمنتجها الدرامي، وهو عامل لم يرتبط بالحرب، فسابقاً وعلى الرغم من توافر المقومات اللازمة لإنتاج الأعمال الدرامية، وجدت شركات الإنتاج نفسها أمام عقبة عدم توافر سوقا لبيع منتجاتها، الأمر الذي دفع بها إلى الاستعانة بأسواق خارجية، ساعدها اهتمام الفضائيات الخليجية بالدراما السورية في تخطي هذه العقبة".

عادت مشكلة "نقص الأسواق" إلى الواجهة مجدداً في ظل الحرب السورية، مع إعلان حكومات عربية، وعلى رأسها الخليجية، مقاطعة الأعمال السورية، ما أدى إلى انخفاض كبير في عدد المسلسلات السورية المعروضة على الفضائيات العربية، التي تتصدرها القنوات الخليجية.

شكّل قرار المقاطعة، ضربة كبيرة للإنتاج الدرامي السوري، وحفّز من حالة الانقسام التي حصلت بين الفنانين والكتاب والمخرجين نتيجة لتباين مواقفهم السياسية.

أخبار ذات صلة

عبد الرحمن أبو القاسم.. رحيل "ابن الرومية" الذي أغنى الدراما
ياسر العظمة يلجأ إلى طريقة كوميدية لدحض خبر وفاته

ومع لجوء العديد منهم لمغادرة البلاد، خسرت الدراما السورية عددا من أبرز نجومها ومبدعيها، الأمر الذي انعكس أيضاً على جودة العمل الدرامي تمثيلاً ونصاً وإخراجاً.

بدأت الاعمال السورية المنتجة محلياً داخل البلاد، تأخذ منحنى تدريجي بالتراجع، وهو ما فسّره الفنان السوري أيمن رضا في تصريح خاص لـ "سكاي نيوز عربية" بأنه "يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف الإنتاج والتمويل المخصص للأعمال الدرامية، والذي انعكس بدوره على انخفاض أجور الفنانين والكوادر العاملة بأغلبها، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بدمار البنية التحتية وصعوبة اختيار أماكن التصوير على امتداد فترة الصراع".

أدى انحسار الدراما السورية إلى ظهور ملامح لدراما جديدة أو مختلفة، فبرزت ظاهرة الأعمال المشتركة، التي وجدت في لبنان تربة خصبة في البداية نتيجة التقارب الجغرافي بين البلدين، وسهولة التنقل بينهما، فانتقلت صناعة الدراما إلى الدولة المجاورة، وبدء العمل في إنتاج مسلسلات اعتمدت بأغلبيتها على الكوادر السورية من فنانين وكتاب وحتى مخرجين، "مطعّمة" بفنانين لبنانيين.

وشبه رضا هذا النوع بالدراما السياحية، بمضمون بعيد عن رائحة المنازل السورية، نقيض ما تميزت بها الدراما السورية سابقاً، حيث كان المشاهد يجد فيها متنفساً، من خلال طرحها لمشكلاته واستخدامها للهجته وعرضها لقصصه وقضاياه.

بالتقادم ومع ازياد نسبة انتشار الأعمال المشتركة والتي تجاوزت الأعمال السورية ـ اللبنانية لتصبح عربية مشتركة، بدأ ينحسر التواجد السوري في هذه الأعمال ليتم الاعتماد على وجود فردي للبطل من النجوم السوريين كعامل رئيسي في عملية تسويق المنتج الدرامي، ما دفع بالناقد والصحفي المتخصص بالشأن الثقافي بديع صنيج إلى وصف الدراما المشتركة "بحرب أخرى على الدراما السورية ساهمت في انحدارها بشكل أكبر من خلال الاستثمار بالممثلين السوريين".

وبيّن صنيج في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية" أن "مفهوم الشراكة التي تعتمده الأعمال المشتركة يأتي في سياق بعيد عن المنطق الدرامي الصحيح باستثناء بعض الأعمال التي تناولت قصة اللاجئين السوريين في لبنان، فجاء مفهوم الشراكة في سياق مناسب لطبيعة الحبكة الدرامية".

وعن الحلول لعودة ألق الدراما السورية يوضح صنيج أن "الازدهار لن يتحقق حتى تعود الدراما السورية لتناول هموم الشارع السوري بعيداً عن التحيّز والخندقة السياسية، وعودة الكوادر السورية المتميزة التي أغنت النصوص ببراعة أدائها، إضافة إلى وجود شركات إنتاج تضاهي الشركات الخارجية في التمويل والتسويق".

مع تراجع تداعيات الحرب، وبداية ظهور بارقة في النفق المظلم الذي دخلته سوريا على مدى عقد من الزمن، تبرز أهمية الدراما، كسفير فني وثقافي سوري بارز إلى العالم العربي، بالإضافة إلى كم اليد العاملة الذي يشغله هذا القطاع الاقتصادي والهام.