فيما تنقل وكالات الأنباء العالمية سيلا من الأخبار اليومية المتعلقة بالأزمات المختلفة داخل أفغانستان، بعد سيطرة حركة طالبان عليها، فإن عشرات الآلاف من الشُبان الأفغان من مختلف المُعتقدات والانتماءات صاروا يتوافدون منذ عدة أيام على الساحات الطرفية للمُدن والبلدات، لممارسة ومتابعة لعبة "البوزكاشي" الشعبية للخيل، حيث يُعتبر فصل الخريف موسمها، بسبب انخفاض درجات الحرارة وزيادة نسبة الرطوبة في الجو.

وكانت ساحات الأحياء الطرفية لمنطقة "جهل دختران" جنوب العاصمة الأفغانية كابل قد شهدت منذ أوائل شهر سبتمبر الماضي حضوراً خجولاً لبعض المجموعات الشبابية لممارسة تلك اللعبة.

لكن ومع مُلاحظة عدم ممانعة أجهزة حركة طالبان للعبها في ذلك المكان، وقيامها أكثر من مرة بإرسال دوريات للحراسة الأمنية، ومشاركة بعض الأعضاء البارزين من الحركة فيها، خصوصاً من القيادات الأمنية والعسكرية، فإنها ما لبثت أن انتشرت في أكثر من منطقة بالعاصمة كابل، وغيرها من المُدن والبلدات، خصوصاً في أيام العُطل وحينما يكون الجو مُعتدلاً.

لُعبة البوزكاشي واحدة من أقدم الرياضات الآسيوية التقليدية، حيث كانت أفغانستان مركزاً معروفاً لممارستها، وذلك لطبيعة القبائل الأفغانية وعلاقتها بالخيل وفنون المنافسة به.

اللعبة الشعبية تقوم على وجود فريقين متنافسين، يحوي كُل فريق قرابة 15 لاعباً، كُل واحد منهم على صهوة جواد، ضمن ملعب شاسع، في وسطه دائرة مرسومة. تبدأ اللعبة حينما يحاول فارس ما من أحد الفريقين جر جثة حيوان مذبوح من منطقة فريقه ووضعه ضمن الدائرة التي وسط الملعب، فيما يحاول أعضاء الفريق الثاني منعه، لكن زملاءه في الفريق يحامون عنه لدفع لاعبي الفريق الثاني وخيولهم، وهكذا تكون اللعبة مزاحمة بين فرسان الفريقين، لكن شريطة ألا يحدث أي صِدام أو دفع بين اللاعبين، وذلك بمراقبة حكم مُحترف للمباراة.

وكانت حركة طالبان أثناء فترة حُكمها الأولى لأفغانستان (1996-2001) قد حرمت ومنعت ممارسة هذه اللعبة، لأنها كانت تعتبر اللعب عبر المراهنة على الجوائز المالية بين أصحاب الخيل المتنافسين نوعاً من "القِمار" المُستتر، وكانت تُعاقب الأطراف التي تلعبها بشكل صارم.

أخبار ذات صلة

الفقر يقهر العائلات الأفغانية.. بيع الأطفال لأجل لقمة العيش
قيادي طالباني كبير بين ضحايا الهجوم على مستشفى كابل

لكن اللعبة عادت للانتشار بكثافة مع سقوط حُكم الحركة خلال العام 2001، وصارت منظمة وذات قواعد وأعراف واضحة، ويتم تنظيمها على المستوى البلاد من قِبل مؤسسات احترافية، لأنها كانت الأكثر شعبية على الإطلاق.

وشرحت الباحثة والناشطة نازدار شكري، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" الأسباب التي تدفع حركة طالبان لأن تتسامح مع ممارسة هذه الرياضة مُجدداً: "يعرف القادة السياسيون في الحركة أن مقاتليهم وأعضاء تنظيماتهم الشبابية لا يشبهون الذين كانوا قبل ربع قرن، وأنه أكثر رغبة وجموحاً نحو الترفيه والمشاركة في الحياة العامة، ومثل هذه الرياضة تُعطيهم تلك الفرضة تماماً".

تُضيف شُكري: "كذلك تسعى الحركة لأن تفسح مجالاً للتنفس الاجتماعي بما لا يتعرض بوضوح مع مُعتقداتها، وليس له تأثير مباشر على سياساتها الداخلية، ولا تثير جدلاً ثقافياً أو عرقياً أو طائفياً، فكل الأفغان متفقون تماماً على الشغف باللعبة".

وتُمارس رياضة البوزكاشي طوال شهور الخريف، وتُعقد على شكل بطولات محلية في مختلف المناطق، يُظهر تُجار الخيل من خلالها جودة ومتانة خيولهم، وتتم خلال مهرجانات اللعبة عمليات بيع واسعة لأنواع من الخيول.

كما تنتشر الرياضة في مختلف البُلدان الآسيوية، مثل طاجكستان وأوزبكستان وحتى باكستان والمناطق الغربية من الهند. لكن الأفغان هُم الأكثر شغفاً بها، حتى أن العائلات الأفغانية المهاجرة نقلتها معها وصارت تمارسها في دول المهجر، بما في ذلك الولايات المُتحدة، حيث كان ثمة بطولة سنوية فيها برعاية العائلة المالكة الأفغانية السابقة، كانت تنظمها بعد لجوئها إلى الولايات المُتحدة.