بات الإعلان عن كشف جرائم أسرية مروعة وعصية على التصديق، حدثا شبه يومي في سوريا، لدرجة أن ضحاياها في الكثير من الأحيان هم أطفال أبرياء بلا حول ولا قوة، يذهبون ضحية أوضاع أسرية مزرية جراء التفكك المجتمعي المستفحل، على وقع الأزمة الطاحنة التي تعصف بالبلاد على مدى عقد من الزمان.
وفي أحدث هذه الجرائم مقتل طفلة على يد والدها بتحريض من زوجة الأب، في منطقة ريف دمشق، حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الوالد ضرب الطفلة بالفأس على رأسها مفارقة الحياة، وقام بدفنها سرا في محاولة لاخفاء جريمته النكراء.
وفي التفاصيل قالت وزارة الداخلية السورية: "وردت معلومات إلى شرطة ناحية النشابية في ريف دمشق بإقدام المدعو (علاء. ن) على دفن طفلته المتوفية (حلا) التي تبلغ من العمر 5 سنوات في مقبرة (حزرما) مساءا وبدون الإشهار وإخبار الجهات المختصة وبشكل مريب ومثير للشبهة".
ومن خلال التدقيق وجمع المعلومات تبين بأن الطفلة مقيمة مع والدها وزوجته في محلة (كفر بطنا) لأن والدتها مطلقة، وكانت الطفلة تتعرض للتعذيب من قبل والدها بالتحريض من قبل زوجته، كما يضيف البيان.
وتابع: "تم إلقاء القبض على والد الطفلة وزوجته المدعوة ( نور الهدى. ش) وبالتحقيق معهما عن كيفية وفاة الطفلة تناقضت أقوالهما مما أكد الشكوك حول كيفية الوفاة، فتم استخراج جثة الطفلة بعد أخذ موافقة النيابة العامة.
وشوهد على جسدها بالكامل آثار تعذيب وضرب وحرق، وبمواجهة المقبوض عليهما بالأدلة اعترف الأب بإقدامه على ضرب ابنته بشكل مبرح بواسطة خرطوم وقيامه بتربيطها من يديها وحرقها سابقا بواسطة السجائر وذلك بتحريض من زوجته، وذلك بحجة أن الطفلة تقوم بتوسيخ ثيابها باستمرار.
وبعد قيامه بضربها وتربيطها بعدة ساعات فارقت الطفلة الحياة، وقام والدها بنقلها بشكل سري من محلة كفر بطنا إلى النشابية ودفنها في مقبرة (حزرما) مكان إقامة أهل زوجته".
وتختم الداخلية السورية: "تم مصادرة أدوات الجريمة ومازالت التحقيقات مستمرة معهما، وسيتم تقديمهما إلى القضاء لينالا جزاءهما العادل".
هذا وصب المعلقون في المنصات والشبكات الاجتماعية السورية، جام غضبهم على الوالد القاتل وزوجته، اللذين دفعهما الحقد لقتل طفلة صغيرة في عمر الورود، مشيرين إلى أن هذه الحادثة الأليمة تثبت مرة أخرى أن الأطفال هم أول وأكبر ضحايا الطلاق بين الزوجين.
نوعية خطيرة من الجرائم
وتعليقا على هذه النوعية الخطيرة من الجرائم، يقول الخبير النفسي قاسم حسين صالح، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "لا يمكن لأب أو أم أن يقتل أطفاله، ما لم يكن مصابا باضطراب نفسي أو خلل عقلي، بما فيه عدم القدرة على التحكم بالغضب".
وهناك إشكالية اختلافنا في تعدد الأسباب وتحديد نسب أو أهمية دور كل منها، في مثل هذه الحالات، كما يوضح صالح قائلا: "ذلك أن أي ظاهرة اجتماعية كالانتحار والطلاق وجرائم القتل، تكون ناجمة عن أسباب متعددة، تتمثل مصادرها الأساسية في 4 عناصر شخصية هي القاتل والمجتمع والأسرة والنظام السياسي، غير أنها تختلف في حجم أو دور كل مصدر فيها".
ففي ظاهرة قتل الآباء والأمهات لأطفالهم يعود المصدر الرئيس إلى الشخص القائم بالجريمة، كما يبين بالقول: "خلال مراجعتنا لدراسات أجنبية (أميركية وبريطانية وأسترالية) تبين أن الغالبية المطلقة من هؤلاء القتلة كانوا مصابين باضطرابات نفسية وعقلية، يتصدرها الاكتئاب الحاد، وأخرى ارتكبت جريمة القتل دون وعي".
ففي أستراليا قامت (رينا ميرسنا) بقتل أطفالها الست وتبين أنها كانت مصابة بشيزوفرينيا لم تكن مشخصة.
وفي هيوستن بأميركا وجدت المحكمة في 2001 أن أندريا، التي قتلت أطفالها الخمسة، لم تكن مذنبة لأنها تعاني من ذهان ما بعد الصدمة، وهي حالة نادرة تتصف بالهلوسة والأوهام، فيما كانت هناك حالات لآباء وأمهات برروا قتل أطفالهم بأن العالم قاس، وإن قتلهم هو رحمة بهم كي لا يواجهوا وحشية هذا العالم لوحدهم بعد موتهم، وفقا لصالح.
ويتابع الخبير النفسي: "لقد لمسنا من خلال دراسات أجريناها على مجرمين سجناء، أن القتلة يتصفون عامة بأربع صفات، الغباء حيث لا يفكر بنتائج جريمته، ضعف أو انعدام الضمير الأخلاقي وضعف الوازع الديني وتدني المستوى الدراسي أو انعدامه، وتبين أيضا أن نسبة كبيرة منهم ليس لديهم تقدير للذات، بل بينهم من يرى أنه تافه ومضطهد".
وهذه الصفات تنطبق أيضا على الآباء والأمهات الذين يقتلون أطفالهم، بحسب المحلل السيكولوجي، مردفا: "يضاف لها أن القائم بالجريمة يستهدف الانتقام من شريكه بقتل أعز ما لديه، أو ليحرق قلبه كما يقال بالتعبير العامي، كما هو حال الأم العراقية التي اعترفت في 2020 بأنها رمت طفليها بنهر دجلة لخلاف مع طليقها، ما يعني أنها أرادت أن تثأر منه بقتل أطفاله".
هذا وترزح سوريا منذ أكثر من 10 سنوات تحت وطأة أزمة حادة وحرب، نتج عنها نحو نصف مليون قتيل، فضلا عن مئات آلاف الجرحى والمصابين بعاهات، مع انهيار اقتصادي واسع وسط تهالك البنى التحتية، ومختلف القطاعات الإنتاجية الحيوية، ما انعكس سلبا على المجتمع، الذي بات يواجه انهيارات قيمية، تتجسد في انتشار الجريمة على اختلاف أشكالها، وعلى الوجه الخصوص تلك المدرجة منها في إطار العنف الأسري.