تستعد محافظة الأقصر إلى افتتاح طريق "المواكب الكبرى" الشهير بالكباش الفرعوني الأيام المقبلة، خلال احتفالية ضخمة من المتوقع أن تجذب أنظار العالم، عقب سنوات من العمل الجاد لإعادة البريق إلى تلك المنطقة، على يد رجال الترميم بوزارة السياحة والآثار المصرية.
وقاد مرممو الآثار في مصر ملحمة نجاح في طريق الكباش الفرعوني الممتد من معبد الكرنك شمالا حتى معبد الأقصر جنوبا، الذي يصل إلى 2700 متر، حيث انخرطوا في ترميم مئات القطع الأثرية بدقة عالية وسرعة فائقة، وفقا لحديث مدير ترميم آثار منطقة الكرنك، سعدي زكي، لموقع سكاي "نيوز عربية".
أكبر متحف مفتوح في العالم
وكان وزير السياحة والآثار المصري، خالد العناني، قد أكد في أكتوبر الماضي، أن مشروع طريق الكباش بالأقصر من أهم المشروعات الأثرية التي تقوم بها الدولة، لتحويل المحافظة إلى "أكبر متحف مفتوح في العالم"، من خلال ربط معابد عديدة مع طريق المواكب الكبرى لمسافة تمتد لنحو 2700 متر.
ويوضح زكي لموقع "سكاي نيوز عربية" الجهود المبذولة في طريق الكباش الجديد، قائلا: "التجربة بدأت عام 2007، وكانت هناك صعوبات عديدة، مثل وجود الطريق وسط منطقة سكنية، وانتشار المباني والأراضي الزراعية حوله، لذلك جرى إعداد خطة لإنقاذ الكباش من تلك الأوضاع الصعبة".
ويضيف مدير ترميم آثار منطقة الكرنك: "توقف العمل لسنوات قبل استئناف الجهود في 2017 بدعم واهتمام بالغ من الحكومة، وانخرط رجال الترميم في إجراء مسح شامل للكباش عن طريق التصوير والتوثيق لكل قطعة أثرية، ثم إزالة الأتربة وإتمام التنظيف الميكانيكي والكيميائي".
ويسترسل زكي: "استقبلنا أعدادا كبيرة من الكباش وأجزاء منها، سواء رأس الكبش أو القواعد، بعد العثور عليهم من قبل الأثريين أثناء عمليات البحث في المنطقة، وقد كانت حالتها سيئة، لكننا قمنا بجهد مضني للتعامل مع الترميم القديم وتركيبها من جديد بمواد حديثة، وإظهار الألوان الأصلية لكل قطعة أثرية".
فرق ترميم من أنحاء مصر
ويتابع المرمم الأثري: "اعتمدنا على رجال الترميم في محافظة الأقصر، فضلا عن الاستعانة بأبرز المرممين من باقي محافظات مصر، نظرا لحجم العمل الهائل، لحرصنا على تجهيز الكباش في الوقت المحدد، كما قمنا بتدريب العشرات من خريجي كليات الآثار ومعهد ترميم الأقصر وضمهم إلى التجربة".
وعن احتياجات رجال الترميم من أدوات ومواد خاصة، يقول مدير ترميم آثار منطقة الكرنك لموقع "سكاي نيوز عربية": "لم تبخل الدولة بأية احتياجات، فخلال 24 ساعة من إرسال الطلبات المتعلقة بالترميم، نحصل على موافقة الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري، ويتم توفيرها على الفور أو استيرادها من خارج مصر".
ويردف: "بعد سنوات من العمل الشاق، نجحنا في الانتهاء من ترميم كافة الكباش، وآخرها المكتشفة في منطقة نجع أبو عصبة، ولم يبق سوى الرتوش الأخيرة، وستكون جميع القطع الأثرية جاهزة خلال الاحتفالية التي ستقام في الافتتاح، وهو إنجاز غير مسبوق في مجال الآثار".
من جانبه، ينوه مرمم الآثار في الأقصر، صلاح سالم، إلى قيامه برفقة زملائه، بترميم أنواع مختلفة من الكباش خلال هذا المشروع.
ويوضح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنهم استقبلوا تماثيل كباش، بعضها بجسم أسد ورأس كبش، في منطقة معبد "موت"، وأخرى برأس إنسان بالقرب من معبد الأقصر، وثالثة بجسم ورأس كبش في طريق أبو الهول.
ويذكر الرجل الذي شارك في ترميم كباش ميدان التحرير مطلع العام الجاري: "جميع المشاركين في عمليات الترميم عملوا بتركيز شديد، نتيجة للحالة المتدهورة التي وجدت عليها بعض الكباش، إذ كان لابد من بث الروح فيها مرة ثانية وإعادتها إلى صورتها الأولى البديعة".
وباء وشمس حارقة
وعن التحديات التي واجهت فرق الترميم خلال مشروع تطوير طريق الكباش الفرعوني، يقول سالم لموقع "سكاي نيوز عربية": "واجهنا العديد من الصعوبات، من بينها العمل تحت الشمس الحارقة في الأقصر، حيث نخوض عمليات الترميم في مناطق مكشوفة، لكنها لم تؤثر على عزيمتنا".
ويشير كذلك إلى أن تفشي وباء كورونا شكل عقبة كبيرة أمام مهمتهم، مضيفا: "لكن سرعان ما قمنا بتخطي الأمر والعودة إلى الترميم، مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية".
ويختتم المرمم الأثري الثلاثيني حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، بالتشديد على أن "كافة رجال الترميم يشعرون بالفخر لمشاركتهم في تلك الخطوة الفريدة بعالم الآثار المصرية"، وأن تلك الذكرى "ستبقى عالقة في أذهانهم وسيحرصون على الحديث عنها باستمرار أمام الأجيال الجديدة".
ومن المفترض أن تستمر أعمال الحفر والاكتشافات الأثرية والترميم عقب افتتاح الطريق رسميا، وفقا لوزارة السياحة والآثار المصرية، باعتبارها إضافة كبيرة وإثراء لأحد أكبر المواقع الأثرية في مصر.
ومن المتوقع أن تميط تلك الجهود اللثام عن كل ما يتعلق بمدينة طيبة القديمة عبر العصور.