بعد الأزمات المتتالية التي عصفت بلبنان وشعبه، ثمة أحياء تنامى فيها الفقر، ومناطق نسيتها الدولة وتجاهلها أهل السياسة، حتى غدت مرتعا للجهل بعد تسرب أطفالها من المدارس، بسبب الأزمة الاقتصادية التي أجبرت الأهل على تشغيل أطفالهم وحرمتهم من التعليم.
ويعيش أبناء هذه الأحياء مأساة تسرب الأطفال من المدارس، ربما تخفيفا للأعباء المادية التي تقع على عاتق الأهل، ومن بين هؤلاء، أطفال حي "باب الرمل" عند المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس عاصمة الشمال اللبناني.
هناك، يستوقفك مشهد مجموعة من الأطفال يحاولون تنظيف الشارع بأيديهم الطرية، ويطلقون على أنفسهم اسم "أطفال باب الرمل".
يقول أحدهم بثقة مطلقة لموقع "سكاي نيوز عربية": "ننظف الحي لتكون منطقتنا نظيفة".. ويضيف آخر: "نوزع على سكان الحي الخبز والطعام إذا توفر لنا".
ويعد حي باب الرمل الطرابلسي من الأحياء الشعبية الأكثر فقرا في المدينة، وفي لبنان بشكل عام .
وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وعدم تكرار مآسي الحرب الأهلية التي غذتها الأحياء الفقيرة، وكان السكان وقودها، برزت مبادرة فردية يقوم بها محمد محمود العمر، وهو من منطقة باب الرمل، وقد حُرم في الماضي من التعليم بسبب الحرب والأزمات الاقتصادية والفقر.
ولا يريد العمر تكرار التجربة نفسها التي عاشها وأبناء جيله من سكان باب الرمل والأحياء المجاورة.
وقال في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "لم تتسن لي فرصة التعلم، وأعمل اليوم في مهنة حرة، وفي ظروف صعبة".
وتابع: "نحن نعمل بجهود فردية لنبني أنفسنا بأنفسنا، وخشية من تكرار الماضي قررت القيام بمبادرة فردية لإنقاذ مجموعة من أطفال الحي، بدأوا يتغيبون عن المدرسة".
وأضاف: "بدأت الفكرة بعد ترك هؤلاء الأولاد المدرسة للعديد من الأسباب، فمنهم من لا يتسنى لأهله تأمين مستلزمات التعليم (وخاصة إذا كان يتم إلكترونيا عن بعد)، ومنهم من لا يملك ثمن الكتاب المدرسي".
وقال: "لا رغبة لي بتكرار الماضي معهم، وأحرص على ألا تتفشى آفة الجهل والأمية بين الأطفال، مع أن اليد قصيرة ولا قدرة مادية لدي لتنفيذ المبادرة كاملة".
واستطرد العمر موضحا: "أعددت دراسة للمبادرة، ثم بدأت بجمع أبناء الحي الذين تعدى عددهم 25 ولدا، وكانت البداية في الصيف عندما قمنا بتنظيف الحي من النفايات، خصوصا الرابية المطلة عليه التي كانت عبارة عن جبل صغير من النفايات".
وأردف: "بجهد الأولاد المشاركين في المبادرة، تحولت التلة الى أرض صالحة للزراعة، وسنبني عليها ملعبا ونقيم نشاطات ترفيهية تثقيفية لإشغال الأطفال بالعمل الجماعي المفيد".
وأضاف: "نظمنا سلسلة دورات بيئية بالتعاون مع جمعيات متخصصة، ونعمل على تنظيم دورات لمحو الأمية، خصوصا لمن هم فوق سن الثامنة عشرة. أما الهدف الأبرز الذي نسعى إليه، فهو إنشاء مركز لتعليم الأطفال".
وناشد العمر أبناء المدينة من المغتربين والمقيمين، وأبناء منطقة الشمال عموما، دعم هذه المبادرة كي يتمكن من تعليم هذه المجموعة من الأطفال.
وأوضح: "الهدف من المشروع واضح، وهو العمل مع هذه المجموعة من الأطفال، التي قد تحدث فرقا في المدينة، من خلال التربية على ثقافة جيدة وتقوية العلاقات الاجتماعية، وتعزيز مفهوم الاعتماد على العمل التطوعي داخل المجتمع".
وعن طفولته، قال العمر: "عايشنا الحرب الأهلية، ولم نتمكن من متابعة تعليمنا ولم نصل إلا إلى المزيد من الجهل في هذه المنطقة. ومن يستطيع اليوم مد يد العون ينشغل في تأمين لقمة عيشه، والبعض أدين بتهم أمنية ووشايات وسجن وتشرد أطفاله في الشارع".
وختم حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، بالقول: "بدأت المشروع مع الأطفال الذكور، وفي خطوة قريبة سأكمله بمشروع مماثل مع فئة الإناث. أحاول حماية الأطفال ومنع استغلالهم من جهات مختلفة، بعد تسربهم من المدرسة إلى أماكن السوء والرذيلة بسبب الجهل، الذي بدأ يتفشى بينهم جراء الأزمات والبطالة والعوز".