قبل حوالي أربع سنوات، تمكنت الشابة المغربية مريم حاتيمي من هزم سرطان الثدي. وبعد الانتصار على الداء، باتت اليوم تزرع الأمل في نفوس نساء اختار المرض الخبيث أن يستوطن أجسادهن.
وتقول مريم، التي ترأس الجمعية المغربية لمرضى السرطان، إن "الدعم النفسي هو أولى الخطوات الصحيحة في رحلة العلاج المتعبة جسديا ونفسيا".
وتتابع مريم لموقع "سكاي نيوز عربية": "كلمة السرطان بالنسبة لكثيرين مرادفة للموت، مما يجعل معظم النساء يغرقن بسهولة في بحر الأفكار السلبية بعد اكتشاف إصابتهن بالمرض، لهذا أحاول مساعدتهن على التخلص من تلك الأفكار التي تتسبب لهن في إرهاق نفسي كبير".
مريم هي واحدة من بين عشرات المغربيات اللائي اخترن الانخراط في العمل المدني بعد شفائهن من سرطان الثدي، لتوجيه وإرشاد النساء نحو العلاج والتحسيس بأهمية الدعم النفسي للمريضات انطلاقا من تجاربهن الخاصة.
ويعتبر شهر أكتوبر الشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي، ومناسبة لتكثيف الجهود من طرف الفعاليات المدنية والصحية عبر حملات تحسيسية وتوعوية بأهمية الكشف المبكر والدعم النفسي.
وفي المغرب، تؤكد أرقام وزارة الصحة، إصابة 40 ألف شخص بالسرطان سنويا، ويأتي سرطان الثدي على رأس قائمة السرطانات التي تصيب النساء، حيث تم في سنة 2019 فقط تشخيص أزيد من 10 ألف حالة إصابة جديدة بسرطان الثدي في المملكة.
جرعات من الأمل
تؤكد مريم حاتيمي أن فكرة تأسيس الجمعية المغربية للمصابين بالسرطان انبثقت من ما لمسته عبر مواقع التواصل الاجتماعي لدى النساء المصابات بالسرطان من حاجة للمساعدة في الحصول على الأدوية في ظل ارتفاع أسعارها، وحاجتهن للدعم النفسي.
وتشدد الشابة على أن التغير الكبير الذي يطرأ على المظهر الخارجي للمصابات، وفي مقدمته فقدانهن للشعر، هو أكثر ما يؤثر على نفسيتهن ويتطلب التحلي بكثير من الصبر والقوة من أجل تقبل وضعهن الجديد ومواجهة الداء.
تقول مريم: "أتنقل طوال السنة بين المصابات، لأحكي لهن عن قصتي وتجربتي مع المرض، وأحاول إخراجهن من الضغوط النفسية وحالة التوتر والقلق التي تنتابهن جراء اكتشاف إصابتهن بالسرطان، حتى يزداد الاقتناع لديهن بأن المعنويات العالية هي الطريق التي ستقودهن نحو الشفاء ".
الملاذ النفسي
منذ سنة 2009، تحول بيت الحاجة خديحة القرطي في مدينة الرباط، إلى مأوى تقصده المصابات بسرطان الثدي القادمات من مختلف مناطق المغرب طلبا للعلاج في مستشفيات العاصمة، حيث توفر لهن صاحبة الدار المأكل والمشرب والمبيت ودفء العائلة.
تحكي الحاجة خديجة أنها قطعت عهدا على نفسها منذ وفاة زوجها وأختها بالمرض الخبيث، بأن تساعد المرضى بالسرطان، فقررت فتح باب منزلها أمامهم وأنشأت جمعية "جنات" قصد تقديم العون للمعوزين منهم.
تقول الحاجة لـ"سكاي نيوز عربية": "تأتي النساء وحيدات من مناطق بعيدة بنفسية منكسرة، أحاول تقديم يد العون لهن بقدر المستطاع ومواساتهن للتخفيف من معاناتهن والرفع من معنوياتهن خاصة في بداية العلاج، قبل اندماجهن وانخراطهن في تقاسم تجارب شخصية لكل واحدة منهن مما يجعل الالم يتحول إلى أمل".
وتحكي الحاجة كيف تتحسن الحالة النفسية للمريضات تدريجيا بعد أيام قليلة من مقامهن في الدار، حيث تحرص بمعية أعضاء الجمعية على تخفيف من وطأة الصدمة بعد اكتشاف إصابتهن بالداء، عبر أنشطة ترفيهية تنسيهن المرض.
أهمية الدعم النفسي
ويؤكد الأطباء النفسيون أن المريضة بسرطان الثدي تتأثر نفسيتها بشكل كبير أثناء اكتشاف الإصابة، وهو ما قد يقودها أحيانا إلى حد رفض العلاج، في حال لم تحصل على الاهتمام والرعاية اللازمين.
تقول الأخصائية في الطب النفسي الدكتورة نادية مشتاق، إن "معظم النساء يصبن بالصدمة عند اكتشاف إصابتهن بسرطان الثدي، إذ أن الأمر يتجاوز مجرد استئصال الثدي، بل يتمثل في تضحية بجزء هام من أنوثتها مقابل التخلص من المرض الخبيث".
وتتابع الدكتورة مشتاق في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أن المريضة قد تصل إلى أوج درجات الاكتئاب أثناء العلاج الكيماوي، وهو ما يستدعي تقديم الدعم الاجتماعي والأسري لها خلال تلك الفترة.
وتوصي الأخصائية النفسية، مرضى السرطان بالاطلاع جيدا على كل جوانب العلاج والأعراض الجانبية الناتجة عنه وذلك استعدادا للمواجهة النفسية، فيما "يتعين على محيطها الأسري والمقربين، احتضانها بالكثير من الحب قصد الرفع من معنوياتها".
الكشف المبكر
وبقدر ما يشدد الأطباء النفسيين على أهمية الدعم النفسي للمصابة بسرطان الثدي، بقدر ما يشدد الأخصائيون في مرض السرطان على أهمية الكشف المبكر في العلاج.
ويؤكد الأخصائي في علاج أمراض السرطان الدكتور يوسف الخلطي على الأهمية التي يكتسيها العامل النفسي في العلاج، وكذا على تعايش المريضة مع الأعراض الجانبية خاصة تلك الناتجة عن العلاج الكيماوي، لافتا إلى أهمية تهييئها نفسيا من قبل الطبيب المشرف على حالتها قبل الشروع في العلاج.
وفي حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، يشير الدكتور الخلطي إلى ارتفاع الوعي لدى النساء في المغرب بجدوى الكشف المنتظم والمبكر عن سرطان الثدي عكس ما كان عليه الأمر في سنوات ماضية، وذلك بفضل الحملات التحسيسية التي دشنها مركز "للا سلمى لمحاربة داء السرطان" قبل أزيد من 15 عاما.
ويعمل مركز للا سلمى لمحاربة داء السرطان (غير حكومي) الذي تم إحداثه منذ سنة 2005 على جعل الوقاية وعلاج السرطان من أبرز أولوليات الصحة العمومية في المملكة، وذلك عبر التحسيس بأهمية الكشف المبكر عن الداء الخبيث في المراحل الأولى، والمساعدة على تحسين ظروف التكفل بالمرضى.
ويؤكد الدكتور الخلطي أن الكشف المبكر عن سرطان الثدي في مراحله الأولى، يساعد على العلاج دون تعقيدات، ويمكن من إزالة الورم دون الحاجة إلى استئصال الثدي أو الخضوعه لحصص العلاج الكيماوي أو الإشعاعي.