مع إعلان اسم التنزاني عبد الرزاق غرنة، الفائز بنوبل للآداب لهذا العام، تهافت الجميع بالسؤال عن تاريخ الرجل صاحب البشرة السمراء وإنتاجه الأدبي، بعدما أصبح خامس إفريقي، يحصل على الجائزة الأهم عالميًا.
ومن يعرف الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي، يقترب كثيرًا من فهم إبداع الكاتب التنزاني عبد الرزاق غرنة، فكلا الكاتبين استعرض تأثير الاستعمار الغربي على القارة السمراء، الفارق الكبير بين الرجلين، هو أن أتشيبي ذائع الصيت، لم يفز بجائزة نوبل، في المقابل فعلها غرنة، واقتنص الجائزة.
لم يكن أدب غرنة معروفًا على نطاق واسع، قبل إعلان فوزه بنوبل، خاصة في منطقتنا العربية، وهو ما أكدته تصريحات محررته ألكسندرا برينغل، إذ قالت لوسائل الإعلام "إن فوز غرنة كان "الأكثر استحقاقًا" لكاتب لم يحصل من قبل على تقدير مستحق لأعماله".
موقع "سكاي نيوز عربية" تتبع رحلة عبد الرزاق غرنة، التي قادته رغم كل العثرات إلى الوصول إلى منصة التتويج بنوبل
الخروج من زنجبار
في عام 1948 ولد عبد الرزاق غرنة في زنجبار التي أصبحت الآن جزءًا من تنزانيا، وتفتحت عينا الفتى الصغير على الحياة وسط عالم جديد يتشكل في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث استقلت زنجبار عن بريطانيا عام 1963، ثم غمرت البلاد ثورة عارمة، لحق بها انقلاب عام 1964.
بعد الانقلاب، تعرض سكان زنجبار من أصل عربي لاضطهاد واسع، اضطر غرنة على إثره الهروب إلى المملكة المتحدة وهو في عمر الثامنة عشر، وعاش كلاجئ بعيدًا عن موطنه، ورغم أن اللغة السواحيلية هي لغته الأم، إلا أنه آثر أن يبدأ مشواره الأدبي وهو في عمر 21 عامًا بالكتابة باللغة الإنجليزية،
كانت الرواية الأولى التي نشرها غرنة في عام 1987، هي "ذاكرة المغادرة"، من بين 10 روايات وعدد من القصص القصيرة، التي هي مجمل إنتاج الرجل، وكان آخرها رواية "الحياة بعد الموت"، التي صدرت عام 2020.
إلى جانب عمله الإبداعي، لغرنة رحلة أكاديمية بدأها عام 1980 من عام 1980 حتى عام 1982، عندما حاضر في جامعة بايرو كانو بنيجيريا، ثم انتقل إلى جامعة كنت، وحصل منها على درجة الدكتوراه، وظل يعمل حتى وقت قريب بالجامعة، قبل التقاعد، أستاذًا اللغة الإنجليزية وآدابها ما بعد الاستعمار.
بداية التوهج
بدأ أول تقدير بارز لأعمال غرنة، وهو في عمر الـ 46 عامًا عندما أُدرجت روايته "الفردوس" في القائمة المختصرة لجائزة بوكر في عام 1994، وتتبع الرواية قصة الصبي يوسف، حيث وقعت القصة في بلدة كاوا في تنزانيا في مطلع القرن العشرين.
وتُسلط رواية "الفردوس" الضوء على بيع الصبي يوسف صاحب الـ 12 عام لتاجر عربي، يتنقل معه بين أدغال إفريقيا ويتعرف إلى ثقافات وقبائل مختلفة، ثم تتخلل الرواية قصة حب بين يوسف وأصغر زوجات التاجر، ومع بداية الحرب العالمية الأولى، يتورط التاجر في تجنيد الشباب الأفارقة لصالح الألمان على جبهات القتال.
بعد رواية الفردوس، سلطت الأضواء على غرنة بشكل غير مسبوق، ووصفت الأميركية لورا وينترز، في صحيفة نيويورك تايمز في عام 1996، الرواية بأنها "حكاية متلألئة عن بلوغ سن الرشد"، كما قالت عن رواية أخرى لغرنة "الإعجاب بالصمت" بأنها كان عملاً "يصور بمهارة معاناة رجل محاصر بين ثقافتين.
بعد ذلك استمر غرنة في تحقيق نجاحات عديدة، ومن بعض أعماله الأخرى: طريق الحاج (1988)، دوتي (1990)، مقالات في الأدب الأفريقي: إعادة تقييم (1993)، الإعجاب بالصمت (1996)، عن طريق البحر (2001)، الهجر (2005)، رفيق سلمان رشدي (2007)، والهدية الأخيرة (2011).
الفوز بنوبل
تُوج مشوار عبد الرزاق غرنة الطويل، بالفوز بجائزة نوبل، لتتركز عليه أضواء الشهرة الكبيرة، ويدخل التاريخ كخامس إفريقي يفوز بالجائزة؛ حيث سبقه إليها: النيجيري وول سوينكا عام 1986، والمصري نجيب محفوظ عام 1988، ومن جنوب إفريقيا: نادين جورديمر عام 1991، وجون ماكسويل كوتزي عام 2003.
وقال أندرس أولسون، رئيس اللجنة التي تمنح الجائزة، الخميس، إن غرنة يُعد واحد من أكثر الكتاب شهرة في العالم، والمتخصصين في حقبة ما بعد الاستعمار، ووصف أولسون الكاتب التنزاني بأنه تتبع بإنسانية طاغية آثار الاستعمار في شرق إفريقيا، وآثاره على حياة الأفراد المهاجرين واللاجئين.
وأضاف أولسون في تصريحات صحفية أن الشخصيات في رواياته "تجد نفسها في الفجوة بين الثقافات والقارات، بين الحياة التي تُركت وراءها والحياة الآتية، في مواجهة العنصرية والتحيز، ولكن أيضًا يجبرون أنفسهم على الصمت، أو إعادة تشكيل هوياتهم لتجنب الصراع مع الواقع".
يشار إلى نوبل للأدب تفتقر إلى التنوع بين الفائزين بها؛ حيث أن 95 من الحاصلين على جائزة نوبل السابقة وعددهم 117 كانوا من أوروبا أو أميركا الشمالية، وأن 16 فائزًا فقط كانوا من النساء، بحسب صحيفة داغينز نيهتر السويدية.